THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: آثار الدعاء في حياة الإنسان الأربعاء سبتمبر 15, 2010 11:18 pm | |
| آثار الدعاء في حياة الإنسان الدعاء تعبير طبيعي عن احساس نفسي وشعور حي لدى الإنسان، الذي يدرك وجود حقيقتين في حياته:الله، والإنسان، ويدرك النسبة الحقيقية بين الوجودين: وجود الله الذي هو مصدر الغنى والكمال والإفاضة في هذا العالم. ووجود الإنسان الذي هو وعاء الفقر والحاجة والمسكنة، المتقوّم بالإفاضة والعطاء المستمر. فهذا التصوّر للعلاقة الحقيقية بين الوجودين، وجود إلهي، هو المبدأوالمصدر في إيجاد الإنسان، وإفاضة الخير والرحمة والبقاء عليه، ووجودإنساني صادر عن ذلك المبدأ، ومتعلّق به، ومتوقّف عليه، ومتوجّه نحوه دوماًلطلب الافاضات والكمالات، التي تسدّ نقص الوجود الإنساني، وتغني فقرهوحاجته في كل شيء، في استمرار بقائه، في استقامة حياته، في رقيّه وتكامله،في اصلاح نفسه ومدّه بحاجاته، في إعانته على مشاكله ومصاعبه، في إنقاذهوخلاصه، فانّ هذا التصوّر هو الذي يفرض هذه العلاقة، وينتج هذا الشعورالذي يقود إلى توجّه النفس البشرية إلى مبدئها الذي يهبها ويمنحها ما يوفرلها كمالها، ويحفظ وجودها، ويسدّ فقرها. ولا يتوقف الإحساس بالحاجة والشعور بالحيرة والرغبة في التوجّه إلى قوّةتساعد الإنسان على الانقاذ والخلاص، على المؤمن وحده، بل هو إحساس بشريعام، يستوي فيه المؤمن بالله والكافر به، إلاّ أنّ الناس ليسوا سواء فيتفسير هذا الإحساس، وتوجيه الشعور وجهته الفطرية، رغم احساس الجميع به،وشعورهم بضغطه، فما من إنسان إلاّ وينتابه العجز، والحيرة، ويشعر بالضيق،ويحس بالحاجة إلى قوّة تسعفه، وتنقذه من محنته وحيرته، وتقطع يأسه وشعورهبالعجز والضياع في هذا العالم. وعند هذا الحد، من الإحساس المشترك بين أفراد النوع الإنساني، يبدأ الافتراق بين المؤمن بالله والكافر به. فالمؤمن يعرف مصدر توجّهه، ومبدأ حياته، وهو الله سبحانه، فيتوجّه إليهبروح مؤمنة، مملوءة بالامل والثقة والرجاء، في حين يظلّ نقيضه الكافربالله، يعيش حالة من الحيرة والضياع، والبحث غير المجدي، وهو يعيش الإحساسذاته، ولكن لا يدري إلى أين يتوجّه، لا يعرف الجهة التي تبث هذا الإحساسوالألم، ولا يستطيع اكتشاف الرحمة والحنان، الذي يغمر عوالم الوجود،ويتّسع للتجارب مع هذا الإحساس، لذلك فهو يحمل هذا الإحساس بين جنبيهوخزات تباعد بينه وبين الاستقرار والطمأنينة، ويأساً يسد أمامه منافذالرجاء والخلاص، رغم كل القدرات المادية المتوفرة لديه، ورغم ظنه انهمستغن عن الله، مكتف بما عنده هو. فهو يظلّ يعيش حاجة التوجّه واللّجوء إلى الله، رغم جهله به، واستكبارهوغروره الذي قاده إلى جحيم اليأس والمعاناة، فثغرة الإحساس بالحاجة،وتوجّه النفس الفطري في هذه الحالة نحو جهة الغنى والإفاضة، يشكّل قانوناًطبيعياً لحركة النفس، وكيفية تصرفها في لحظات الضيق والشدَّة. ولو أُخذ الدعاء ـ العبادة التي تصل الإنسان بالله ـ ودُرِسَ دراسةتحليلية واعية، لاستقصاء أغراضه، واستكشاف مردوداته النفسية والاجتماعية،والوقوف على آثاره التغييرية والتكاملية في النفس البشرية، لما ترك الدعاءمؤمنٌ بالله، ولما أورد ملحد شبهة عليه. فالنفس البشرية ذات الأبعاد المختلفة والأعماق والأغوار المعقّدة الغامضة،لا يمكن ملؤها بالحاجات المادية وحدها، مهما يغالي الإنسان في الإشباعالمادي، ويتمادى في توفير الحاجات والمطالب الحسيَّة. والإنسان بطبيعة تكوينه، وحقيقة وجوده، يتعرّض في حياته لمشاكل، ونكبات، وآلام، وإحساس بالخيبة، وقصور عن الأهداف. فليس كل شيء في هذه الحياة يتحقق للإنسان كما يريد، ولا كل شيء يجري وفقمشيئته، وبذا تبقى الحاجة قائمة، والرغبة غير مشبعة، والشعور بالحاجةمتعاظماً في نفس الإنسان، والتوتر مستمراً بين ذاته، وبين الواقع المحيطبه. وتلك حكمة الله الخبير في الخلق، جعل كل ذلك، لئلا يشعر الإنسانبالاستغناء والطغيان، وليبقى مرتبطاً بخالقه، متوجّهاً إليه، ساعياً نحوالكمال، لاحساسه العميق بوجود الهّوة بينه وبين هذا الكمال المنشود، لانالشعور بالاستغناء موت وانتحار لكل قوى الإنسان ، وسبب في الطغيانوالعدوان والتباعد عن الحق والخير: (كلاَّ إنَّ الإنسان لَيَطغى*أن رَآهُ استَغْنى) (العلق/ 6 ـ 7). لان للحاجات، وللآلام والشدائد التي يمرّ بها الإنسان، من ضعف وفشل فيالحياة، ومرض، وقصور عن بلوغ الغايات، آثاراً تكاملية، ومردودات إصلاحيةعلى النفس البشرية، تساعد الإنسان على اكتشاف ذاته، ومعرفة قانون الاتزان،وتشخيص الحدّ الطبيعي الذي يجب أن يلتزم به في نظرته إلى الأمور وتقويمها،وفي سلوكه مع الآخرين، وموقفه منهم. لذا جُعِلَ الدعاء في الإسلام وسيلة لربط الإنسان بالله، والتوجّه إليه،والاعتراف بين يديه بالذنوب والجرائم، وإظهار حاجة الإنسان وفقره،وضراعته، ورغبته في اصلاح نفسه، وإنعاش حياته، لكسر كبرياء الإنسان،وتعريفه بحقيقة ذاته، وإشعاره بضعفه، وبحاجته إلى خالقه في الخلق والإيجادوالإمداد بضرورات البقاء، ليبني ضمن هذه النظرة مفهومه عن الإنسانيةجميعها، وليضع نفسه ضمن هذا المفهوم، فيعي وجوده، وعلاقاته، وقيمته، منخلال هذا التوجّه والارتباط بالله، بعيدا عن الكبرياء والطغيان والعدوان. لذا نشاهد انسحاب هذا الأثر الإيماني على سلوك الإنسان المؤمن ظاهراًوواضحاً، فهو إذا أحسّ بالحاجة لجأ إلى الله، واثقاً بحسن إجابته، وإذاأساء واقترف السيئات، لجأ إلى الله يدعوه ويستغفره، ويعترف أمامه بذنوبه،ليريح نفسه، ويفرغ وجدانه من الألم وعذاب الضمير، فيجدد العهد علىالاستقامة ويبدأ السير على هدى الله، وتحت ظلال عفوه ورحمته، فهو بهذهالمصارحة، وبث الشكوى والأحزان بين يدي الله ينقذ نفسه من الكبت والآلامالتي لا يمكنه الإباحة بها إلى أحد غير الله، فيتعرّض للفضيحة والانكشافالذي يخشاه ويخافه. لذا فهو يفرغها بالبراءة والاستقالة منها، وبالاعتراف بها. وكم يكون هذا الإنسان سعيداً عندما يقف بين يدي الله العظيم، وهو يحسّ بكلدوافع الإحساس الصادق، أن الله يغفر له ذنبه، ويقبل توبته، وأن طريقالعودة مفتوح أمامه، وأن الذي يسأله العطاء والعون هو القادر على تلبيةطلبه، ومساعدته على الخلاص من محنته وشدّته، فتعود إلى نفسه الطمأنينة،ويحلّ الرجاء والرضى، بدل اليأس والسخط والقنوط. والإنسان بدعائه ووقوفه بين يدي الله، يعاهده على الصدق في الاستقامة،والالتزام بالسلوك الخيّر، والإقلاع عن الجرائم والآثام، فهو بهذه الوقفةالتي تكون فيها النفس في حالة صحو وجداني، واستعداد للتلقّي والقبولالايحائي الخيّر الذي يردّده بعبارات الدعاء، إنما يشهد على نفسه، ويحاولالانسحاب من عبثيته، وإعادة تنظيم ذاته، وبناء شخصيته، بالعمل على ردّهاعن طغيانها، وصدّ خروجها عن الحدّ الطبيعي الذي تبتلى به. وبذلك يعمل على حذف التعدّي والطغيان، ويتجه نحو طلب الكمال والاستقامة،والسعي تجاه السمو الأخلاقي، الذي يستوحيه من فيوضات الخير والكمال الإلهي. فيحقق بهذا الاتجاه الذي يصدر عن رغبة، وتوجّه صادق، اتزان القوى النفسية، وتنظيم سير حركتها. | |
|