الألمان يصممون روبوتاً لا يخطئ الهدف لتدريب اللاعبين

الألمان يصممون روبوتاً لا يخطئ الهدف لتدريب اللاعبين

تتراوح الأوصاف التي
يطلقها المعلقون الرياضيون على طريقة لعب الفريق الألماني بين «الماكينة
الألمانية» و«الزحف الاستراتيجي» و«الحرب الخاطفة»، وهي مفردات مستمدة من
قاموس النازية العسكرية السابقة، ولا يحبذ الألمان سماعها اليوم. لكن
الألمان يعترفون أن طريقة لعبهم ليست جذابة وفنية، لكنها فعالة وتحسم
المباريات في غالب الأحيان لمصلحتهم.
فطريقة لعب المنتخب الألماني «المانشفات» تعتمد على القوة البدنية في حسم
الصراع على الكرة لصالحهم، والانضباط العالي بخطة المدرب، والتكتيكات
المتغيرة التي تربك دفاع الخصم وتدفعه لارتكاب الأخطاء. وهي طريقة لعب قد
تصح عليها أوصاف أخرى، ونحن في عصر الكومبيوتر، من قبيل «الألعاب الرقمية»،
«بطاريات الليثيوم»، «الأنظمة الافتراضية» و«التقنيات الكومبيوترية».
اخترع العلماء الألمان، ومع اقتراب موعد مونديال كأس العالم لكرة القدم في
جنوب أفريقيا 2010 روبوتاً لا يعرف الخطأ في التسديد على الهدف لتدريب
اللاعبين. أطلقوا على الروبوت اسم «ديفيد»، ربما تيمناً باللاعب ديفيد
بيكام، الذي يعتبر من أفضل مَن يجيد ضربات الكرة الساكنة، رغم «الندية»
التقليدية بين الفريقين الإنجليزي والألماني. ويقول الألمان إن «ديفيد»،
الذي يشبه المدفع، يتفوّق على ديفيد بيكام وكريستيانو رونالدو ويثير حسد
ليونيل ميسي وديدييه دروغبا في دقته في التسديد على الهدف.
وذكر البروفسور بيتر جونر، من معهد تطوير السوفت وير في جامعة شتوتغارت
(جنوب) أن ضربات «ديفيد» لا تحيد عن الهدف المرسوم لها بأكثر من 10 سم،
وهذا يتيح له اختيار زوايا لا يمكن لأي حارس هدف أن يصلها. وبغض النظر عن
المكان الذي يقف فيه حامي الهدف، فإنه قادر على إدخال الكرة إلى الهدف من
كل الزوايا، العليا أو السفلى، اليمنى أو اليسرى، للهدف. فهو عبارة عن
«ماكينة ركل» لا تكل لركل الكرات أو إطلاقها إلى اللاعبين الآخرين، يصلح
للتهديف ولتدريب اللاعبين على ضرب الكرات الطائرة بإتقان.
شارك 13 عالماً، من مختلف الإختصاصات، طوال 6 أشهر، في تصميم «ديفيد» وضبط
السوفت وير الذي يشغله. وزوّده الباحثون بـ6 أنظمة إلكترونية معقدة تضمن له
دقته في التسديد، وكلف تطويره أكثر من 50 ألف يورو.
وأشار جونر إلى أنه تمت تجربة ديفيد في المختبر ضد حامي الهدف الأول في
الفريق الألماني رينيه أدلر فتفوّق الروبوت. وفي ساحة أخرى مصغرة، أجرى
الباحثون مباراة لكرة القدم بين فريق منهم يتحكم بالروبوت «ديفيد» وفريق
آخر يتحكم بروبوت اسمه «جولياث»، تم إنتاجه في شتوتغارت أيضاً، وصمم أساساً
كحارس مرمى منيع. لعب فريق «ديفيد» بالفانيلات الخضراء وفريق «جولياث»
بالفانيلات الحمراء، فكان فريق ديفيد يتحكم بقوة الركلة، زاويتها، القوس
الذي ترتفع فيه، وموقع حامي الهدف، في حين كان فريق «جولياث» يتحكم بحامي
الهدف الروبوت ويمنحونه الإحداثيات وشدة الضربات وارتفاع الكرة.. إلخ.
وذكر ميشائيل راوشر، مبرمج «ديفيد»، أنّ الهداف تفوّق في معظم الضربات على
خصمه «جولياث». وتمّت برمجة ديفيد ليلعب بمستوى «اللاعبين المبتدئين»،
بمستوى دوري الدرجة الثانية، أو بمستوى مشاهير لاعبي دورة أبطال الدوري
الأوروبي. وأصبح بالتالي روبوتاً نموذجياً لتدريب اللاعبين من مختلف
المستويات. وبلغت سرعة الكرة التي يطلقها «ديفيد» أكثر من 140 كم/ ساعة في
حين أن أقوى ضربات كابتن المنتخب الألماني ميشائيل بالاك لا تتعدى حاجز 120
كم/ ساعة.
الطالب أوليفر كولر تولى مهمة برمجة حامي الهدف «جولياث» الذي تم تصميمه
قبل 4 سنوات. و«جولياث» مزوّد بـ4 كاميرات إلكترونية سريعة تتعرف على مسار
الكرة وسرعتها خلال جزء من الثانية، تحدد مكان بلوغها الهدف، وتحرك أذرع
الروبوت باتجاهها مثل أي رد فعل لحامي هدف بشري. وبعد أن صد «جولياث»
الضربات الثلاث الأولى من «ديفيد»، نجح الأخير بإدخال الكرات السبع الأخرى
في الهدف متفوقاً بنتيجة 7 - 3، وذلك بفضل الضربات القوسية التي يجيدها.
فالضربات القوسية تتجاوز أي «جدار» يبنيه اللاعبون لأن «ديفيد» يقيس ارتفاع
الجدار ويتحكّم بقوس الكرة كي يدخلها في الزاوية. وحسب تعبير كولر، فقد
كانت الضربات القوسية نقطة ضعف «جولياث» التي استغلها «ديفيد» كي يحسم
المباراة لصالح الفريق الأخضر.
جدير بالذكر أن معهد فراونهوفر الألماني المعروف صمم عام 2008، ومع انطلاق
كأس أوروبا لكرة القدم، حامياً للهدف يتغلب على حماة الهدف البشريين، وعلى
أبرع اللاعبين، في التصدي للكرات وقتل ضربات الجزاء.
ويستخدم الروبوت اللاعب كاميرا حساسة، وبنك معلومات، ونظاماً حركياً بارعاً
يتيح له تشخيص اتجاهات الكرة المنطلقة من رجل اللاعب نحو الهدف. ولا يجد
روبوت حارس المرمى مَن ينافسه في مهامه غير روبوت مثيل من إنتاج المعهد
نفسه ويتولى السهر على أبواب البنايات ومنع المشاغبين من دخول المراقص.
وتم إنتاج الروبوت Robo Keeper بالتعاون بين معهد فراونهوفر وشركة «سبورت
ماركيتينغ» الكولونية ووكالة «فور أتينشن» الألمانية من دورتموند. وطرح
العلماء حاميهم المؤمل في الأيام الأخيرة في ملعب بايرن ميونيخ كي يتصدى
لأقوى ضربات الجزاء. وذكر متحدث باسم معهد فراونهوفر أنه من الممكن الحجز
على نسخة من «الروبو كيبر» لمختلف الاستعمالات قريباً لأنه «جاهز للملعب».
ويمكن للإنسان، أو لاعب كرة القدم، أن يشتري الروبوت ويضعه في حديقة بيته
كي يتمرّن جيداً على تسديد ضربات الجزاء. ويمكن لمدربي كرة القدم، في كل
العالم، اقتناء الروبو كيبر بغية استخدامه في التدريبات. كما يصلح الحامي
الكومبيوتري أن يكون مدرباً جيداً لحراس المرمى أنفسهم، وإن كانوا من مستوى
أوليفر كان حامي هدف بايرن مونشن السابق.
ويستخدم الروبوت كاميرا سريعة، سوفت وير لتحليل الصور والوضع التشريحي لجسم
اللاعب أثناء تنفيذ ضربة الجزاء، ثم يتولى الكومبيوتر تحريك الروبوت في
الزاوية المطلوبة. ويضمن المهندسون للمقتنى كفاءة حارس مرمى عالية تدفعه
للطيران بقفزات بهلوانية بارعة لصد الكرة عن مثلث الهدف.
ومن المشكوك فيه أن تعين مثل هذه التقنيات ألمانيا في الحصول على كأس
العالم لكرة القدم لمرة رابعة. إذ سبق لعلماء وباحثي الكلية الرياضية في
كولون، التي تعتبر الأكبر والأشهر في ألمانيا، أن كرسوا أياماً من عملهم،
خلال كأس أوروبا لكرة القدم عام 2008، لتحليل طريقة لعب الخصوم بكل
تفاصيلها، درس حركة كل لاعب، طريقة الوقوف عند تنفيذ ركلات الأخطاء، عند
لعب الضربات الركنية... إلخ. واهتموا زيادة عن اللزوم في تحليل طريقة لعب
الفريق الكرواتي على الكومبيوتر، وسلموا المعطيات كلها للمدرب يواخيم لوف،
مع ذلك فشل المانشفات في تجاوز الحاجز الكرواتي.
لكن الألمان يأملون بأن تتغير هذه الحال مستقبلاً بفضل اللاعبين الروبوت من
أمثال «ديفيد» و«جولياث» و«الروبو كيبر».
الباحث جونر قال إن بوسع حامي الهدف الألماني السابق ينز ليمان أن يصد ضربة
أو ضربتين من «ديفيد»، لكن الأخير يبقى متفوقاً على كل البشر. وأضاف: «لو
أن اتحاد كرة القدم الدولي أجاز إنزال الروبوتات، وهذا ما قد يحدث
مستقبلاً، فإن مدرب المانشفات الألماني يواخيم لوف سيضم (ديفيد) إلى
التشكيلة الأولى في الفريق».