THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: الإعتدال العبادي في حياة الشباب الأحد مايو 02, 2010 3:53 pm | |
| الإعتدال العبادي في حياة الشباب الإسلام دين الحياة كلّها، وليس دين العبادات فقط. والعبادات في الاسلام لا تطلب لذاتها، بل لغاية أكبر وفائدة أعظم، ولذا لم يركّز الاسلام على الكثرة في العبادة، بل على النوعية فيها. فقد تجد شاباً مشغولاً بالعبادة أغلب الوقت، يفرغ من صلاة واجبة فينشغل بأخرى مستحبّة، ويجهد نفسه بالصوم المستحب حتى ليصرفه ذلك عن اهتماماته وشؤونه ومسؤولياته الأخرى. ولقد لفت النبي (ص) النظر إلى ذلك، حينما رأى شاباً منشغلاً في العبادة ومنقطعاً يستكثر منها، فسأل عمّن يعوله، أي مَنْ يتولى شؤون حياته ومعيشته، فقيل له: أخوه، فقال: أخوه أعبد منه! الأمر الذي يدلل على اهتمام الاسلام بالعمل ونظرته الواسعة إلى العبادة. ولذا فإنّ حالة الشاب المستغرق في عباداته تمثل اختلالاً في التوازن، فالصلاة عمود الدين، وكان النبي (ص) يجد فيها لذّته الروحية، وكان يصلّي شكراً لله على نِعمه، لكنّ صلاة النبي (ص) لم تجمّد نشاط النبي (ص). فلقد كان يمارس مهامّ النبوّة في إدارة الدولة والمجتمع، والمشاركة في جهاد العدو، وتعليم الناس وتربيتهم، وتفقد مرضاهم وقضاء حوائجهم، والإستمتاع بالجلسات العائلية الحميمة حتى أثر عنه قوله:«خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». ولقد طلب الله سبحانه وتعالى من المسلمين أن يتوجهوا إلى صلاة الجمعة في كلّ جمعة ، وذلك قوله : (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )(الجمعة/9) لكنّه لم يرد لهم أن يقيموا في المساجد طوال نهار الجمعة، ويتركوا الرزق في ذلك اليوم ، ولذا قال : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون )(الجمعة/10) . إنّ الشاب العابد المتهجد، والفتاة القانتة المتبتلة، قد يتصوران أنّ العبادة هي استقبال القبلة، والجلوس على سجادة الصلاة لأطول وقت ممكن، وأداء النوافل والأدعية والأذكار والتسبيحات، وتلاوة أكبر عدد من سور القرآن, وهذا فهم غير دقيق للعبادة. فالعبادة هي كلّ عمل يتقرّب به الانسان إلى خالقه وربّه، حتى ولو لم يكن فريضة عبادية معروفة. فالتحيّة، وقضاء حاجات الأهل والأصدقاء، والتعاون على مشروع عمل شبابي يهدف إلى إنماء قابلياتهم، أو يزيد في توعيتهم الدينية، أو يعمق من عرى المحبّة والتآلف والتآخي فيما بينهم، والإنجاز الدراسي لتنمية المواهب والمدارك والمعلومات ، ورفع الأذى عن طريق المسلمين ، وكلّ ما يسبب الإزعاج لهم، والإستماع إلى المواعظ، أو إلى المحاضرات العلمية والثقافية والتربوية.. كل ذلك عبادة، إذا كنت قاصداً بها أن تبني شخصيتك لتكون إنساناً نافعاً مباركاً أينما كنت، ألسنا نقول: «خير الناس مَنْ نفع الناس». وإذن، فأنت في صلاة دائمة قائمة متصلة، ما دمت في عمل لله فيه رضا ولك وللأمّة فيه خير وصلاح. لقد اشتكت بعض نساء المسلمين إلى الرسول (ص) انشغال أزواجهنّ بالعبادة ـ صياماً وقياماً ـ فاستدعاهم ليقول لهم إنّه وهو الرسول لم يفعل ذلك ، وإنّما يوازن بين العبادة وبين متطلبات الحياة ، حيث يقول : «أما إنِّي أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأضحك وابكي فمن رغب عن منهاجي وسنّتي فليس منِّي». إنّ الرفق والمداراة والعطف كما هي مطلوبة مع الآخرين ، مطلوبة مع النفس أيضاً ، ولذلك فإنّ أحد معاني كلمة (ظلمتُ نفسي) هو إنّني قد تجاوزت عليها بالجور ، وتحميلها فوق طاقتها ، وحرمانها مما أحلّه الله ، والتضييق عليها بما وسّع الله ، وهذا هو الخروج على حدّ الإعتدال والتوازن. ولا يخفى ، أنّ إثقال النفس بالعبادة في مرحلة الفتوة والشباب قد يؤدي ـ في مرحلة لاحقة ـ إلى النفور من العبادة والضيق بها وربّما الانصراف عنها . يقول الإمام جعفر الصادق (ع) : «اجتهدتُ في العبادة وأنا شاب ، فقال لي أبي : يا بُنيَّ ! دونك ما أراك تصنع ، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّ عبداً رضي منه باليسير» . واليسر والتيسير منهج اسلامي عام ، فما من شيء لا يقدر الانسان على فعله كاملاً ، إلاّ وقد أباح الله تعالى له أن يؤتي منه ما يستطيع ، وقوله تعالى : (فاقرأوا ما تيسّر من القرآن )(المزمل/20) فيه مراعاة لظرف الانسان ، وقوله تعالى بالنسبة لأضحية الحاج : (فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي )(البقرة/196) ، نظرة إلهية لطيفة للتخفيف من العبء المالي على الحاج ، ولذا فقد طبع سبحانه وتعالى الدين بهذا الطابع : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )(البقرة/185) ، (وما جعل عليكم في الدين من حرج )(الحج/78) . ومن هذا المنطلق ، فإنّ النبيّ (ص) حينما تلقّى هذا الوحي وهذه الرسالة السمحاء ، قال : «جئت بالرسالة السمحة» وما صفة (الحنيفية) التي اتسم بها الاسلام إلاّ صفة الإعتدال والتوازن ، ولقد وضع النبي (ص) ذلك كلّه في قواعد عملية ، حيث قال : «إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرّهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» . أي أنّ مثل الشاب أو الفتاة اللذين يرهقان نفسيهما بالعبادة كمثل راكب على ظهر دابّة، وقد أضاع الطريق ، فلا هو وصل إلى هدفه الذي يريد ، ولا دابته استطاعت تحمّل العناء الشديد . وهذا هو معنى الحديث الشريف : «لا تبغّض إلى نفسك عبادة الله» ، بتكليفها فوق وسعها ، لأ نّها إذا أبغضت العبادة قصّرت في أدائها أو عافتها . ووضع (ص) قاعدة أخرى للتوازن ، حيث قال مخاطباً المسلمين : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما تستطيعون» أي لا تحمّلوا أنفسكم من العبادات والفرائض والنوافل ما هو خارج القدرة والاستطاعة لأ نّه (لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها )(البقرة/286) . ولكنّ ذلك لا يعني انّه ليس هناك حالات وأوقات (شهيّة مفتوحة) للعبادة والإستزادة من المستحبّات والأعمال ، حيث تزداد الرغبة في توثيق العلاقة بالله سبحانه وتعالى ، وهي حالات وأوقات يجب استثمارها لأنّ النفس حينئذ تكون مهيّأة لاستقبال ألطاف الله ومناجاته ، كما هي الأرض العطشى حينما يتساقط عليها المطر فتهتزّ ، وتربو ، وتنبت من كلّ زوج بهيج . ولذا ورد التنبيه في الحديث الشريف إلى ضرورة مراعاة هذا التنوع أو التفاوت في الحالة النفسية : «للقلوب إقبال وإدبار ، فإن أقبلت فاحملوها على النوافل ـ أي المستحبات ـ ، وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض ـ أي الواجبات ـ » . أمّا إذا أجهد الشاب أو الفتاة نفسيهما بالعبادة دون مراعاة هذا الجانب ، فالنتيجة ستكون سلبية : إمّا فتور في العبادة ، أو نفور منها ،وفي الحديث : «إنّ القلب إذا أكره عمي» . وفيه أيضاً : «روّحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة» ، وهل التوازن غير ذلك؟ نخلص من ذلك كلّه ، إلى أنّ الحالة الوسطية ، أو التوازن العبادي هي الحالة السليمة والوجيهة ، ولذا جاء في الحديث : «خير الأعمال ما داوم عليه العبد وإن قلّ» ، وجاء : «قليل من عمل مدوم عليه خير من عمل كثير مملول منه» . وفي وصيّة الإمام علي (ع) لابنه الحسن (ع) : «واقتصد يا بُنيَّ في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه» . و (القصد) سواء في العبادة أو في المعيشة ، أو في أي شيء آخر هو الإعتدال والتوازن . 2 ـ الإعتدال الماليّ : والشبّان اليوم ، وحتى الفتيات ، بين مَنْ يسرف في ماله لا سيما على الأشياء الترفية ، وبين مَنْ يميل إلى البخل حتى على نفسه . والإسراف المالي يشبه عملية حرق المال وإتلافه ، في حين أنّ مجالات الاستفادة من المال في حياتنا كثيرة ، وهناك أولويات للإنفاق، تأتي الدراسة وتأسيس بيت الزوجية ، وإنشاء مشروع عمل ولو صغير في المقدّمة منها ، ولذا قيل : «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود». والتبذير الذي نشهده في الملابس والقمصان والأحذية التي تتكدّس في الخزانة ولم ترتدها الفتاة أو الشاب سوى مرّة أو مرّتين، ثمّ إهمالها على اعتبار أنّها أصبحت قديمة، هو هدر للمال ، وهو محرّم. والإنفاق بشكل باذخ مسرف وخارق للعادة على اللهو والملذّات والمآدب والسفرات ، هو إتلاف للمال إذا كان هناك ما هو أهمّ من هذه الأمور ، وحتى مع عدم وجود الأهم فإنّ التبذير في ذلك مذموم ، فالإنفاق ضمن الحدود المعقولة هو دائماً دليل الرجاحة في العقل ، والحكمة في التصرّف والصرف. والبخل ، كما هو التبذير مضرّ أيضاً (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوماً محسـوراً )(الاسراء/29) ، فما فائدة تكديس المال وتخزينه إذا لم ينفق على حاجاتنا الأساسية والضرورية وحتى الترفيهية ؟ أترانا في خدمة المال ، أم أنّ المال هو الذي في خدمتنا ؟! وقد يفرح الشاب إذا راى أنّ ما تجمّع لديه من مال أصبح كثيراً ، ولكنّ لذّة النظر إلى المال ليست كلذّة التمتّع بما يحققه المال . والمال مهما تراكم فإنّه لا يحقق للانسان الخلود (الذي جمع مالاً وعدّده * يحسب أنّ ماله أخلده * كلاّ )(الهمزة/2). ولو خلّد المال أحداً لخلّد الأمراء والملوك والتجّار الكبار وأثرياء العالم . فأموال (قارون) المكدّسة في الصناديق الضخمة لم تسعفه حين جاءه الأجل . وكم من بخيل مات وانتقلت أمواله إلى غيره ، وربّما بقيت تبعاتها في ذمّته . لقد امتدح الله عباده (عباد الرّحمن) لأ نّهم كانوا اعتداليين متوازنين في إنفاقهم ومصروفاتهم (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً )(الفقران/67) والقوام هو حالة الإعتدال في الصرف والإدخار. | |
|