THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: أنتَ تسأل و(الدِّين) يُجيب الإثنين أبريل 26, 2010 5:17 pm | |
| أنتَ تسأل و(الدِّين) يُجيب
هذا حوارٌ مفتوحٌ بين طائفة من الشبّان وبين صاحب السعادة والسيادة الدِّين الإسلامي الحنيف، الهدف منه استيضاح الدِّين في بعض ما غمضَ على الشبّان أو التبسَ عليهم. س1: ما دام غنيّاً عنّا، وغير محتاج إلينا، فلماذا خلقنا إذن؟ (الدِّين): يجب أن تعرفوا شيئاً مهمّاً عن الله أيُّها الشبّان.. إنّه (كامل) والكامل لا ينقصه ولا يعوزه شيء، ولذلك فهو ليس مفتقر لأحد لا للبشر ولا للملائكة ولا لأيِّ مخلوق. ثمّ أنّ الله (حكيم) لا يخلق شيئاً عبثاً، أو لَعباً، أو سُدىً. كلُّ شيء يخلقه فإنّ له هدفاً وغاية من وراء خلقه، ولقد خلقكم لا ليسدّ بكم نقصاً، بل لتبحثوا عن الكمال فتصلوا إليه لأنّكم ناقصون. كيف تتكاملون؟ بالعبادة.. أي العبوديّة لله وليس فقط بأداء المراسم والمناسك اليوميّة. أمّا لماذا لم يخلقكم كاملين؟ فلأنّه لا يريد كمالاً إجباريّاً، بل يريده كمالاً يأتي عن طريق الاختيار والعمل والجدّ والاجتهاد، فالأوّل ليس فيه فضل لأنّه (جاهز).. أمّا الكمال الثاني فهو الكمال الذي يحقِّق التمايز بين (التلميذ المجدّ) وبين (التلميذ الإتِّكالي)(*). دعوني أسأل السائل: أنتَ متى تُسأل عن العمل لماذا عملته؟ عندما تعمل الخير أو عندما تعمل عمل الشرّ؟ بالتأكيد عندما تعمل عمل الشرّ، فعمل الخير هو ما ينبغي أن تفعله لأنّه ينسجم مع تكوينك وذوقك وعقلك وأخلاقك وفطرتك. وكذلك الله تعالى فإنّه لا يُسأل عن عملٍ جليلٍ كخلق الإنسان لأنّه الخير، فالوجود أفضل من عدم الوجود، علاوة على أنّ الله خلقك (للبقاء).. فحياتك في الدُّنيا مؤقّتة وحياتك الأفضل والأجمل والأكمل في الآخرة.. هل عرفت الآن لماذا خلقك الله؟! س2: على ضوء إجابتك عن سؤال زميلي، ألا تعتبر العبادة نسياناً لنفسي وتغرّباً عن ذاتي؟ (الدِّين): على العكس تماماً، فنسيان الله هو السبب في نسيان النفس. أما سمعتَ الله تعالى يقول: (ولا تكونوا كالّذينَ نسوا الله فأنساهم أنفسهم) (الحشر/ 19). لأنّ نسيان الله والغفلة عنه استغراق في الملذّات والشّهوات الدنيويّة التي تجعلك كالحيوان الذي همّه علفه، وأمّا أنتَ فقد زوّدكَ الله بقدرات ولياقات تسمو بها على جميع مخلوقاته، فإذا نسيت الله سقطتَ في وحلٍ من البؤس والتعاسة، والأمثلة أمامكم كثيرة، فتفكّروا في أولئك الّذين (نسوا الله) وعاشوا التِّيه والضّياع والقلق والكآبة والشّقاء. إنّ ارتباطك بالله يزيد في عملك ومعرفتك وأخلاقك وأعمالك الخيريّة، وتذوّقك للجمال وللطيِّبات الخالصة من كلّ ضرر ومرض وخطر، فكلّما تعلّقتَ به أكثر تكاملتَ أكثر.. وبانَ معدنكَ الأصيل أكثر. إسألوا العباد الصّالحين.. سيقولون لكم: عبادة الله كانت سبباً في تكامل علومنا ومعارفنا، وفي السيطرة على ضعفنا وغرائزنا وهزائمنا، وفي تربية الفضائل في نفوسنا، وفي إدخال الهدوء والسرور والسكينة عليها. س3: كيف يمكنني أن أتمسّك بكَ، وبعضك مستور، وخفّي وغير ظاهر بالنسبة لي؟ كيف أؤمن بشيء لا أحسّ به.. ولا أستطيع أن أخضعه للتجربة؟ (الدِّين): لابدّ لك – لكي تحصل على إجابة شافية – أن تعرف بأنّك – أي أنتَ الإنسان – محدود، وأنّ حواسّك لها (مدى) أو قابليّة) معيّنة لا نخترقها أو نتجاوزها، فحتّى (زرقاء اليمامة) التي تضربون المثل بقدرتها على الرؤية، لا ترى إلّا ضمن مدى معيَن.. ألا ترى أنّك لا ترى الكثير من الأشياء الصغيرة المتناهية في الصِّغر؟ لماذا تستعينون بـ (الميكروسكوب) (والتلسكوب) لترونَ الصغير الذي لا ترونه بأعينكم، والبعيد الذي لا تصل إليه أبصاركم؟ وكما هو حال حواسّك، كذلك عقلك، ألا تقول لشيء لا تُصدِّقه: هذا غير معقول، وقد يكون واقعاً، وصدقاً، وحقّاً، ولكنّ عقلك لا يصل إلى فهمه. (عالم الغيب).. المستورات.. المخفيّات.. كالموجودات التي لا تستطيع أن تراها بالعين المجرّدة، أو العقل المجرّد، فلماذا تصدِّق بما يقوله (رحّالة) زار أحد البلدان وكتب عنه وعن أهله وطباعهم وأخلاقهم، وأنتَ لم تذهب معه إلى هناك، ولا تُصدِّق الله الذي لا يكذب إطلاقاً، ونبيّه المشهور بالصِّدق، حتّى أنّ أحداً لم يمسك عليه كذبة واحدة، عندما يُحدِّثونك عن الملائكة وعن الجنّ والنّار والأسرار الأخرى؟ تقول إنّك لا تستطيع أن تؤمن بشيء لم تجرِّبه.. أنا أقول لك أنّك جرّبتَ كثيراً ولكنّك تنسَ أحياناً.. ألستَ تطلبُ من الله العون والمدد والمساندة والإسعاف في المصاعب الشديدة، رغم أنّك كنتَ على تأهّب واستعداد.. فلماذا تتّجه إلى الله دائماً طالباً منه أن يوفِّقك إلى ما لم تستطع أن تُحيط به أو تملكه أو يقع تحت يديك؟ أليسَ هذا هو الارتباط بالغيب الذي جرّبته في (دعائك) وفي (استجابة) الله لك؟! س4: نحنُ في حيرة.. بعضنا يقول إنّك كلّ شيء في حياتنا، وبعضنا يقول إنّ لك دوراً في حياتنا، ولكنّه ليس أساسيّاً.. والبعض لا يعترف بدورك في الحياة إطلاقاً، هل لك أن تُبيِّن لنا دورك في حياتنا؟ (الدِّين): لك أن تعرف موقعي في حياتك من خلال (مهمّتي) التي كُلِّفتُ بها.. فأنا مسؤول أن أحقِّق لك جوّاً من الإنسجام المريح والسعيد بين (تفكيرك) وبين (سلوكك) وبين القوانين التي وضعها الله للحياة. ودوري هو إيجاد (التوازن) في الحياة.. أن أعلِّمكم كيف تكونون وسطيِّين بعيداً عن أيّ تطرّف.. دوري إذن تربوي أخلاقي ينقل أحدكم من درجة الإنسان غير المنتمي: الضّائع، التائه، المتخبِّط، المتذبذب، إلى درجة الإنسان المنتمي: الذي يعرف من أين جاء، وفي أيِّ طريق يسير، وإلى أيِّ هدف يتّجه. أنا (الدِّين) دليله الذي يأخذ بيد عقله، ويد قلبه، ويد حياته إلى شاطئ الأمان. قارن بين (إنسان غير متديِّن) وآخر متديِّن تديّناً صحيحاً لتعرف أين موقعي من خارطة الحياة؟! س5: كيف أعتبر نفسي حرّاً مع وجودك وفي حضرتك.. أنتَ تُقيِّد لي بعض اختياراتي وتُحدِّد لي بعض قراراتي.. المتديِّن ليس حرّاً.. أنتَ تصنع له قيوداً وحدوداً.. فكيف ينطلق؟ (الدِّين): لو نظرتَ في نفسك جيِّداً، لرأيت أنّك (مُختار).. أي تحت يديك الخيارات كلّها، ولو لم تكن مختاراً لما كنتَ إنساناً، فأنتَ المخلوق الوحيد الذي وضع الله تعالى الاختيارات بين يديه. أنتَ تختار الطّعام الذي تشتهي.. والملابس التي تُريد وتنتخب، والسيارة التي تركب، والبيت الذي تسكن، والزّوجة التي تُعاشر، والإختصاص الذي تدرس، والأصدقاء الّذين تُصاحب، والقرار الذي تراهُ مناسباً.. أليسَ في ذلك حرِّية وفي ذلك إرادة؟ أنتَ قد تختار الشيء السّلبي والضّار والفاسد والأعوج والخَطِير، ولا أحد يمنعك أيضاً.. فكلّ شخص وما اختار.. وكلّ شخص مسؤول عن نتائج اختياراته.. فإذا اخترتَ أصدقاء السّوء وانجرفتَ أو انحرفتَ فانتَ لا غيركَ المسؤول عن عواقب هذا الاختيار. حرِّيتك كمتديِّن (حرِّية مسؤولة).. أنتَ مسؤول أمام الناس لأنّهم (يمدحونك) إذا عملتَ خيراً، (يذمَونك) وينتقدونك إذا عملتَ شرّاً، ومسؤول أمام الله (يُثيبك) ويكافئك إذا عملتَ صالحاً، و(يُعاقبك) إذا عملتَ سوءاً. بالحرِّية أنتَ أصبحتَ إنساناً، ولو سُلِبَت منك الحرِّية والاختيار، لكنتَ حيواناً أبكماً، أو آلةً صمّاء. أمّا (ممنوعاتي) فأنا لم أمنعك من شيء لكَ فيه (فائدة) أو (مصلحة) أو (سعادة) حتّى ولو ظهر لك الأمر بخلاف ذلك.. كلّ ممنوعاتي.. كلّ محرّماتي لمصلحتك، ومَنْ يقول لكَ غير ذلك يغشّك.. ولا يعرفني! تذكّر أيضاً.. أنّني ما منعتكَ من شيء ولا حرمتك من شيء إلّا وعوَضتكَ خيراً منه. س6: أنتَ تحكمنا حكماً تعسّفيّاً، وتقول إنّكم مُختارون.. وإنّكم أحرار.. فإذا كان (القضاء) و(القدر) والتدخّل الإلهي في شؤون حياتنا هو الذي يحكمنا، فأينَ هي الحرِّية التي تتحدّث عنها؟ (الدِّين): أعلِّمك طريقة سهلة وواضحة لتكتشف بها ومن خلالها ما إذا كُنتَ مجبوراً ومُكْرَهاً على فعلٍ أو عملٍ معيّنٍِ أو إنّ كلّ ما (استغفرتَ) الله منه فهو (منكَ).. وكلّ ما (حمدتَ) الله عليه فهو (منه)، وإنّ كلّ ما استطعتَ أن (تلوم) شخصاً عليه فهو (منه)، وما لم تستطع أن تلوم الشخص عليه فهو (من فعل الله). إنّ الله يقول لك: لِمَ عصيت؟ لِمَ فسقتَ؟ لِمَ أجرمتَ؟ لِمَ قتلتَ؟ لِمَ زنيتَ؟ لِمَ سرقتَ؟ لِمَ شربتَ الخمر؟ لِمَ ساعدتَ الظّالم؟ لِمَ كذبتَ؟ فهذا ومثله من عملك الذي اخترته ولم يجبرك أحد عليه، بدليل أنّ غيرك عُرِضَ عليه فلم يفعلهُ، فهو مختار، وأنت مختار. إلّا أنّ الله تعالى لا يقول لك: لِمَ مَرِضْتَ؟ لِمَ ابيضضتَ (لونك أبيض)؟ لِمَ اسودَدْتَ (لونك أسود)؟ لِمَ قَصُرْتَ (قصير القامة)؟ لِمَ عقمتَ (لم تلد)؟ لِمَ غَرَقْتَ؟ لِمَ مُتّ بالزّلزال؟.. لأنّه من فعله. وبالتالي، فإذا فعلتَ الخير فإنّ الله أقدرَكَ عليه، وأمرَكَ بفعله، واستجبتَ لندائه، فهو (منك) و(ومنه).. منه (الحول والقوّة) ومنك (الاختيار والاستجابة).. أمّا إذا فعلتَ الشرّ، فإنّه (منك) فقط، لأنّك إن فعلته بقدرة الله (أي بما أعطاكَ من قابليّات الفعل) إلّا أنّه (نهاكَ) عنه، ولم يرضَ بصدوره عنكَ، إلّا أنّك خالفتهُ وارتكبتهُ فعصيتهُ بإرادتك، ولذلك تتحمّل تبعات مخالفتك. س7: إذا كنتَ لطيفاً وجميلاً ورائعاً الى هذا الحدّ، فلماذا ينفر منك الكثيرون؟ (الدِّين): أوّلاً لستُ الوحيد اللّطيف، الجميل، الرّائع الذي ينفر الناس منه، ثمّ أنّ الناس أعداء ما جهلوا، ومَنْ لا يعرفك جيِّداً، لا يُقيِّمك حقّ التقييم؛ بل وقد يسيء تقديرك. إنّ البعض لا يهربون منِّي.. وإنّما يهربون وينفرون ممّن يتسمّون بإسمي وليس لهم منِّي شيء.. إنّ الشخص الذي إسمه (صادق) ويكذب لا يحمل من الصِّدق إلّا اسمه، وليس الذّنب في كذبه ذنب الصِّدق بل ذنبه هو. والبعض ينفرون منِّي لأنّهم يصطدمون بالذين يشدِّدون على (ما سهّلت) ويسرّت، ويعقِّدون ما هوّنت وخفّفت، والبعض يسألون عمّا أجبت عنه، أو لديَّ الإجابة عنه، لكن المسؤول لا يعطيهم الجواب الشافي، والبعض يؤيِّسون الناس من رحمة الله التي جعلها فيَّ، والبعض يعوزه الأسلوب المهذّب والطريقة اللّطيفة والموعظة الحسنة فيضيق بالناس فيضيقون بي. ولذلك: اعرفوا (الدِّين) حتّى تعرفوا (المتديِّنين). ولا تحكموا على كلّ ما يصدر عن المتديِّنين أنّه منِّي إلّا إذا كان يوافقني، فما أكثر ما يُقال أنّه دين وهو ليس منِّي بشيء. س8: كيف إذن الطريق إلى فهمك فهماً صحيحاً، وكيف يتسنّى لنا أن نحصل على ثقافتك الأصليّة؟ (الدِّين): حتّى تفهمني فهماً سليماً، وتعيني وعياً عميقاً، خُذني من مصادري الأساسية (القرآن والسنّة)، ولا مانع من أن تطّلع عليَّ من خلال كتابات ومناظرات ودراسات وتوجيهات العلماء والفقهاء كي تحصل على الثقافة الدينية التي تُفسِّر لك (العقيدة) وتوضِّح لك أحكام (الشريعة)، وتُبيِّن لك آداب وأخلاق الإسلام.. وتعالج لك شكوكك، وتجيبك على أسئلتك. إقرأ التأريخ بوعي.. إدرسهُ بعناية، لتعرف كيف صنعتُ بأتباعي، وكيف ارتقوا إلى أعلى الدرجات، ولتتعرّف على الطّغاة والمستكبرين الّذين حاربوني وحاربوا أتباعي، فلهم أشباه في كلِّ زمان ومكان. س9: في هذه الأجواء المتلبِّدة، المليئة بالمتناقضات والمعاصي والانحراف والتحدِّيات العاصفة الكبيرة.. وفي ظلِّ الغزو الثقافي الخطير الذي نتعرّض له في كلِّ يوم ومن أكثر من مصدر.. هل بإمكانكَ أن تحمينا.. أن تحصِّننا حتّى لا يجرفنا التيّار؟ (الدِّين): عندما تكون مريضاً وتسألني: ماذا تتوقّع لمستقبل صحّتي؟ فأنا لا أستطيع أن أعطيكَ جواباً يُرضيك.. ولكنّك إذا ذهبتَ إلى الطّبيب وشرحتَ له حالتكَ وشخّص علّتك ووصفَ لك الدّواء وقدّم لك التوصيات اللّازمة، وأخذتَ بما قال، عندها أستطيع أن أتنبّأ بمستقبلك الصحِّي. التحدِّيات ليست جديدة.. ولم تكن خفيفة ذات يوم.. فبقدر ما تشتدّ يشتدّ ساعد المؤمن المتديِّن ويقوى دينه.. ويظهر جوهره. الجأوا إلى الله من خلال أوليائه العارفين به: (فاسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنتُم لا تعلمون) (الأنبياء/ 7). انفتحوا على مَنْ يدلّكم على الطريق، واصطفّوا مع (المتديِّنين) لتبتعدوا عن الانحراف، فأنتم مع بعضكم البعض تكونون مجتمعاً متديِّناً ولو مُصغّراً: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا) (الفرقان/ 27-29). أمّا كيف تحصِّنون أنفسكم ضدّ الغزو الثقافيّ والتيّارات اللّا دينية، فبأن تؤصِّلوا ثقافتكم (تعودون بها إلى أصولها الصحيحة التي لا تتعارض مع القرآن والسنّة).. وأن تقوّوها بما تحت أيديكم من وسائل التقوية، وهي اليوم كثيرة، وعليكم أن تفهموا ثقافة الآخرين وأن تجروا مقارنة بينها وبين ثقافتكم الدينيّة، لتختاروا ما ينسجم مع ثقافتكم وترفضون ما يتعارض معها. س10: أحياناً تُختصَر في جانب واحد فإذا كان كنت، وإذا لم يكن فكأنّك لم تكن، ففي ثقافتنا الدينيّة: "لا دينَ لمَن لا عهدَ له"، وأحياناً تُنصّف إلى نصفين فيُقال: "مَنْ تزوّجَ فقد أحرزَ نصفَ دينه".. هل أنتَ فعلاً جانب واحد، وهل أنتَ فعلاً قابل للتنصيف؟ (الدِّين): أنا كلٌّ متكاملٌ وغير قابل للتجزئة، ولكنّ بعض الأمور تمثِّل أساسيّات في فهمي واعتناقي، فالعهد هو أساس ارتباطك بي، لأنّ معنى أنّك مسلم هو أنّك عاهدتَ الله على العمل بدينه، فإذا نقضتَ العهد فما الذي يربطك بالله وبي، وما الذي يربطنا بك، ألم تقرأ قوله تعالى: (إنّ العَهْدَ كانَ مسؤولاً) (الإسراء/ 34). فالإنسان الذي لا أمان له، ولا وعدَ له، ولا عهد الله، هو إنسان متحلِّل، وأنا أرفض (التحلّل).. أنا مع (الإلتزام) ومع الملتزمين لأنّهم هم الّذين يبنون الحياة. أمّا (الزّواج)، فيعني أن تعيش الاكتفاء الجنسي والرِّضا النفسيّ فتشعر بالإطمئنان والرّاحة والهدوء، لتتفرّغ إلى ميادين حياتك الأخرى، فلا تشغلك الغريزة عنها، ولذلك فأنا أشجِّع على الزّواج المبكِّر لأنّه وقاية من المزالق، ألا ترون ما يؤدِّي بكم تأخير الزّواج أو الإعراض عنه لما هو غير مشروع؟ هل عرفتَ الآن لماذا جُعِلَ الزّواجُ نصفي؟ إنّ الزّواج (سَكَن) و(رحمة) و(مودّة)، وإذا حازَ الشابّ على هذه المقوّمات استقامت حياته.. وهل أنا (كدين) غير الاستقامة؟! س11: يتّهمونك بأنّك دين (عُنف) و(دماء) و(سيف) و(قتل) و(إرهاب)، من أجل ذلك يحاربوننا بك.. هل أنتَ كما يصفونك؟ (الدِّين): لا يهمنّي ما يصفني به الآخرون.. المهم ما أعرفهُ عن نفسي.. فأنا شقيق الرِّفق.. بل الرِّفق أنا، فالذي يرفض إكراه النّاس، والذي يحمِّلك مسؤوليّة تحويل (الأعداء) إلى (الأصدقاء) لا إلى إلغاء الآخر ومصادرته وتهميشه: (ادفَعْ بالّتي هِيَ أحسَن فإذا الّذي بينَكَ وبينهُ عداوة كأنّه وليٌّ حميم) (فُصِّلت/ 34). والذي يُقدِّم نموذجه الأعلى (محمّد بن عبدالله (ص)) للناس على أنّه الرّحمة المُهداة إليهم: (فَبِما رَحْمةٍ من اللهِ لِنتَ لهُم ولو كُنتَ فَظّاً غليظَ القَلْبِ لانفضّوا من حَوْلِك) (آل عمران/ 159). والذي يدعو إلى (السّلام) ويرفعه شعاراً في كلِّ محفل، وممارسة في كلِّ ملتقى، ويُدخله في برنامجه العبادي الأكبر (الصّلاة).. والذي يدعو لكظم الغيظ، والعفو، والصّفح، والإحسان إلى الناس.. هذا دين عُنف أم دينُ سلام؟ العُنف.. طارئ في حياتي.. أنا أعنِّف وأشدِّد عندما أقابَلُ بالعُنف ولا أجدُ سبيلاً للرِّفق، فأنا لا أريد لأتباعي أن يكونوا المتخاذلين المهزوزين المهزومين وهم قادرون على الدِّفاع عن أنفسهم.. إنّه آخر الدّواء.. فإذا كان غير (الكيّ) دواءٌ فلن أتعجّل (الكيّ)! س12: هل لكَ من كلمة أخيرة؟! (الدِّين): (وَلَكِنَّ اللَّهَ (حَبَّبَ) إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَ(زَيَّنَهُ) فِي قُلُوبِكُمْ وَ(كَرَّهَ) إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * (فَضْلا) مِنَ اللَّهِ وَ(نِعْمَةً) وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحجرات/ 7-8). هذا هو (قانون اللّطف التكونينيّ).. فإنّ الحكيم إذا أراد تحقيق أمر فإنّه يوفِّر له جميع مستلزماته: (تحبيب) و(تزيين) للدِّين، و(تكريه) للكفر والفسوق (عدم الطّاعة) والعصيان (أي للّا دين). أنتم مفطورون على (حبِّ الدِّين) و(كراهيّة الكفر والمعاصي). تسألونني: مَنْ هم الرّاشدون؟ أقول لكم: الّذين قابلوا (التحبيب) بـ(الحبّ). و(التّزيين) بـ(التّزيّن) به. و(التّكريه) بالنّفور والإعراض والصدود والإشاحة. هم الذين استقبلوا (الفضل) و(النِّعمة) كما تستقبل شفاه الأرض الخصبة مياه المطر العذبة فتمتصّها، وتترشّفها بكلِّ مساماتها، لأنّ بها حياتها! ذلك (عِلمٌ) بما تحتاجون إليه! وتلك (حكمةٌ) فيما يُصلحكم ويُسعدكم.. ويُقرِّبكم إلى الله أكثر، فإذا سألوكم عنِّي فقولوا: "الدِّين هو الحبّ، والحبّ هو الدِّين". ــــــــــــــــــــ (*) هناك مثلٌ جميلٌ يُضربُ في هذا المجال، فلو أخذنا مالاً من شخص بالإكراه لبناء مستشفى، فهل لهذا العمل من أثر تكاملي: روحي أو أخلاقي عليه؟ طبعاً لا. أمّا إذا أعطى المال بمحض إرادته وطيب نفسه لهذا الهدف النّبيل، فإنّه يخطو في طريق التكامل بمقدار ما يُساهم فيه. وهذا هو الفرق بين (الكمال القسْري) و(الكمال الإختياري). | |
|