الصلاة.. أول ما نحاسب عليه يوم القيامة

الصلاة.. أول ما نحاسب عليه يوم القيامة

* حوار: سلوى النجار
* المحاورة: إيمان إسماعيل عبدالله
(... إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً) (النساء/ 103)
إن الصلاة هي أهم العبادات وأفضل الطاعات، وهي العهد الذي بين المسلم
وربه، وهي أول ما يُسأل العبد عنه يوم القيامة، وقد وردت نصوص الكتاب
والسنة التي تحث على إقامتها وتحض على الحفاظ عليها والمداومة على تأديتها
في أوقاتها، ومن ذلك قول الله تعالى في مستهل (سورة المؤمنون): (قَدْ
أَفْلَحَ المُؤْمِنونَ * الَّذين هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى
قوله تعالى في (الآيات 9-11): (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ
يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
منزلة الصلاة في الإسلام منزلة سامية، وهي ذات فضل عظيم وثواب جزيل لمن
أداها حق أدائها. وفي بيان أهمية الصلاة وتوضيح جانب من فضائلها، تتحدث
مديرة حملة أهل القرآن العالمية في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري
بدبي، إيمان إسماعيل عبدالله.
وتشير في بداية حديثها إلى أن الإسلام قد عظّم شأن الصلاة ورفع ذكرها
وأعلى مكانتها، فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، كما قال النبي (ص):
"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله،
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت". وقد بلغ من عناية
الإسلام بالصلاة أن أمر بالحفاظ عليها في جميع الأحوال والظروف، في الصحة
والمرض، والحضر والسفر، والأمن والخوف.. فلا سبب يبيح التهاون فيها، ولا
عذر يبرر الاستهانة بأي فرض من فروضها، وما ذلك إلا لمكانتها العظيمة،
ومنزلتها الرفيعة.
- مكانة الصلاة:
للصلاة مكانة لا تعدلها مكانة، فهي عماد الدين وركنه القويم.
ومن فضائل الصلاة أيضاً أنها أول ما يُحاسب العبد عليه يوم القيامة، فعن
عبدالله بن قرط قال: قال رسول الله (ص): "أول ما يحاسب به العبد يوم
القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله".
والصلاة هي مفتاح من مفاتيح المغفرة، وسبب من أسباب دخول الجنة والنجاة من
النار، فعن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قال: أشهد أني سمعت رسول الله
(ص) يقول: "خمس صلوات افترضهن الله عزّ وجلّ، مَن أحسن وضوءهن وصلاهن
لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له. ومن
لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه". والصلاة تكفر
الذنوب والخطايا، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله (ص) قال:
"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تُغش الكبائر".
والصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، لقول الله تعالى في (الآية 45 من
سورة العنكبوت): (... إن الصّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ
وَالمُنْكَرِ...)، والصلاة نهر من الطهارة والمغفرة، فعن أبي هريرة، رضي
الله عنه، عن النبي (ص) قال: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم، يغتسل فيه
كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟". قالوا: لا يبقى من درنه شيء.
قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا. والصلاة أمان من
الكفر والشرك، فعن جابر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "إن بين الرجل وبين
الشرك والكفر ترك الصلاة". وهي آخر ما يُفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين
كله، عن أبي امامة الباهلي، عن رسول الله (ص): "لتنقضن عُرى الإسلام عروة
عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم
وآخرهن الصلاة" أخرجه الإمام أحمد وابن حبان.
- صلاتا الفجر والعصر:
الصلاة لوقتها هي أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، فقد سئل النبي (ص)
عن أفضل الأعمال فقال: "الصلاة لوقتها"، وعلى الرغم من ذلك بتنا نرى تكاسل
كثير من الناس وتقاعسهم عن أداء الصلوات لوقتها، خصوصاً صلاتي الفجر
والعصر على أهميتهما وفضلهما العظيم، فعن أبي موسى، رضي الله عنه أن رسول
الله (ص) قال: "مَن صلى البردين دخل الجنة". والبردين هما الفجر والعصر،
وهذا يعني أن دخول الجنة مرتبط بالحفاظ على صلاتي الفجر والعصر. وعن أبي
زهير بن رويبة أنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "لن يلج النار أحد صلى
قبل طلوع الشمس وقبل غروبها". وروي عن رسول الله (ص) أنه قال: "يتعاقبون
فيكم ملائكة بالليل ملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر،
ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم: (كيف تركتم عبادي؟)
فيقولون تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
وقد قال الله في (سورة البقرة الآية 238): (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، والصلاة الوسطى هي
صلاة العصر لما ورد عن علي (ع)، أن النبي (صى) قال يوم الأحزاب: "..
شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس"، ويفهم من هذا الحديث الشريف أن
الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، التي قال عنها رسول الله (ص): "من ترك صلاة
العصر فقد حبط عمله"، وقال عنها أيضاً (ص): مَن ترك صلاة العصر فكأنما فقد
أهله وماله". فمصيبة ترك صلاة العصر تعادل مصيبة فقد الأهل والمال
وتساويها. كما وردت في فضل صلاة الصبح أو الفجر أحاديث كثيرة، منها أنها
حفظ وأمان للعبد، فعن جندب بن عبدالله أنه قال: قال رسول الله (ص): "مَن
صلى الصبح فهو في ذمة الله"، فأي نعمة وأي فضل يفوق أن يكون الإنسان في
ذمة الله تعالى طوال يومه؟
- تأخير الصلاة ونسيانها:
تجب المبادرة بأداء الصلوات في أول وقتها، ولا يجوز تعمد تأخيرها إلا إذا
نام الإنسان عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها، لحديث أبي قتادة الذي
جاء فيه: ذكروا للنبي (ص) نومهم عن الصلاة فقال (ص): "إنه ليس في النوم
تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها
إذا ذكرها"، وعن أنس أن أن النبي (ص) قال: "مَن نسى صلاة فليصلها إذا
ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك".
وتجدر الإشارة إلى أنه مَن أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها فقد أدرك
الصلاة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن الرسول (ص) قال: "مَن أدرك من
الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومَن أدرك ركعة من العصر
قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". وهذا يشمل جميع الصلوات، وفي البخاري
أن رسول الله (ص) قال: "إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب
الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم
صلاته". والمراد بالسجدة الركعة. وظاهر الأحاديث أن مَن أدرك الركعة من
صلاة الفجر أو العصر لا تكره الصلاة في حقه عند طلوع الشمس وعند غروبها
وأن كانا وقتي كراهة، وأن الصلاة تقع أداء بإدراك ركعة كاملة.
- عقوبة تارك الصلاة:
إن مَن ترك الصلاة مع إيمانه بها واعتقاده بفرضيتها، ولكن تركها تكاسلاً
أو تشاغلاً عنها، بما لا يعد في الشرع عذراً، فقد صرحت الآيات والأحاديث
بأن له عذاباً عظيماً، قال الله تعالى في (سورة المدثر الآيات 38-43):
(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ *
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي
سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ). وعن عبدالله بن عمرو بن
العاص عن النبي (ص)، أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "مَن حافظ عليها كانت له
نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً
ولا برهاناً ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن
خلف". وقال ابن القيم في شرح هذا الحديث الشريف: تارك الحفاظ على الصلاة
إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته، فمَن شغله عنها ماله فهو
مع قارون، ومَن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومَن شغله عنها رياسته
ووزارته فهو مع هامان، ومَن شغله تجارته فهو مع أبي بن خلف.
أما ترك الصلاة جحوداً بها وإنكاراً لها فهو كفر وخروج على ملة الإسلام
بإجماع المسلمين، فعن جابر أنه قال: قال رسول الله (ص): "بين الرجل وبين
الكفر ترك الصلاة"، وعن بريدة أنه قال: قال رسول الله (ص): "العهد الذي
بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".