THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: صاحبنا".. قصة قصيرة السبت ديسمبر 05, 2009 11:08 pm | |
| صاحبنا".. قصة قصيرة د. محمد مباركي /وجدة /المغرب في حديقته المفضلة وسط المدينة، رمى بنفسه على كرسي إسمنتي، فأحس ببرودة تسري في أوصاله، أعقبتها قشعريرة هزت جسمه النحيل، ومد رجليه إلى الأمام في استرخاء تعود أن يمارسه في هذه الجلسة، وألقى نظرة متفحصة على المكان، فوجده كما ألفه دائما، لم تصل إليه عناية المسئولين بعد، هو حديقة لم يبق منها إلا الاسم. جلس وحيدا كعادته، أشعل سيجارة ونفث دخانها بقسوة عدة مرات، وتطلع بعينين مثقلتين كليلتين إلى شجرة باسقة عانقت السماء في حب، و تمنى لو يتسلقها لينظر إلى المكان من فوق ، ذلك أفضل. لكن وجد نفسه يتابع فحل حمام يغازل أنثاه فوق حائط قصير في الحديقة، وكيف أنها تمانع وهي راغبة، ومع امتناعها يهيج إصراره حتى أرضخها لنزوته، ثم طارا محلقين في رشاقة بهلوانية تشد الناظرين. عاد إلى حاله يرقب المكان، وهذه المرة، باهتمام أكثر، كأنه ينتظر شخصا. لكن هذا من أغرب ما يمكن توقعه، فصاحبنا دائم الوحدة، وما شوهد بصحبة أي كان، وهذه مشكلته، " الوحدانية "، التي لم يستطع التخلص منها مهما حاول ، وحاول الناس معه. فهو موظف في شركة عمومية، متفاني في عمله إلى درجة العبادة، وسجله حافل بالتشجيعات، لكنه قليل الكلام مع الجميع، لا أصدقاء ولا أحبة له. وصفوه بنعوت شتى، لا يأبه بأحد، بل أحيانا يتعمد إغاظة الجميع، حتى التحية الصباحية لا يتبادلها مع أحد من الزملاء، حتى مع رؤسائه، منهم من قبله كما هو، ومنهم من مقته ورفضه كوجود. يفضل قراءة الجرائد والكتب بشراهة زائدة ويفضل السيجارة الأمريكية الشقراء. في يوم حاولت إحدى زميلاته في العمل، بإيعاز من زملائها، اقتحام عالمه الخاص, ورغم خبرتها، وجدت بابه صلدا منيعا، فعدلت و تركته و شأنه إلى حين، إذ أقسمت باليمين القاطع أن تعيد التجربة ثانية و ثالثة . وها هو اليوم في جلسته هاته يبدو متوترا أكثر من اللازم ، ينظر إلى ساعته بين الفينة و الأخرى، ويدخن بشراهة، يقف ثم يجلس، ويتمتم. فتح جريدته، تصفحها دون أن يقرأ حرفا منها، رماها جانبا ونهض ليخطو خطوات، لكنه تجمد في مكانه و زاغت عيناه في البهو الكبير للحديقة محاولا التحقق من الشبح القادم في اتجاهه، شبح فتاة ملتفة في معطف أسود . عاد إلى جلسته و دقات قلبه تتلاحق بسرعة، فأحس بالخوف، وكاد أن يسلم ساقيه للريح، لكنه تماسك. جلست إلى جانبه بهدوء وهي لا تحول عينيها عنه باسمة في صمت ، تنتظر أن يبادرها بالكلام ، لكن صاحبنا كان يريد منها أن تفعل، و ساد الصمت ثقيلا مقيتا، حتى انفكت عقدة لسانه و قال لها "أهلا و سهلا " فانتفضت واقفة كالمذعورة وصرخت " حمدا لله أنك نطقت " فضحك صاحبنا ببلاهة طفل معتوه. لم تكن الفتاة إلا زميلته في العمل التي كانت قد أقسمت، أمام زملائها، على أن تقتحم عليه عالمه حتى تجرجره إلى عش سقفه واحد. | |
|