THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: ذلك الصوت/ قصة قصيرة الأحد نوفمبر 15, 2009 2:12 pm | |
| ذلك الصوت/ قصة قصيرة * محمود أحمد علي صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. صوت العصفور راح يغرد في حرية مُطلَقة.. صوت العصفور أقلق نوم الحاكم حتى جعله يتقلّب مرة ومرات، ظناً منه أنه حلم أو كابوس، فكان لزاماً عليه أن يتقلّب في فراشه. يُغيِّر من وضعية نومه، حتى يهرب من الحلم أو يهرب الحلم منه. لحظات، وعاد الحاكم يغطُّ في نوم عميق. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. تقلُّبات الحاكم الكثيرة والمتكررة، لم تُفلح في إسكات زقزقة العصفور المستمرة. فتح عينيه في تثاقُل شديد. تَبسَّم عندما توقف الصوت تماماً فور استيقاظه من نومه، انتابته فرحة غامرة عندما تأكَّد من أنَّ هذا الصوت الذي أقلقه في منامه، ما هو إلاَّ كابوس. كابوس لا يحبه ويرفض أن يزوره مرة أخرى. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. اهتز قلب الحاكم بشدَّة، انتفض من مكانه جالساً على حافة السرير غاضباً، راح يتلفَّت بعينيه في أرجاء الحجرة، باحثاً عن مصدر ذلك الصوت الذي أزعجه، جن جنونه عندما توقفت عيناه على العصفور الواقف بحرية على حافة الشُّرفة المفتوحة. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. زقزقات العصفور الخارجة بقوة، راحت تشكل أحرفاً. أحرف راحت تلتصق ببعضها بعضاً، حتى خرجت كلمات أغنية جميلة. تلك الأغنية التي لم تُعجب الحاكم، وسرعان ما ركبته شياطين الإنس والجن. وقف الحاكم مذهولاً متسائلاً: - مَن سمح لهذا العصفور بأن يغني هكذا بحرية مطلقة من دون أن يأخذ تصريحاً مختوماً باسمي؟ ألم يعلَم أني الحاكم الوحيد في هذه المدينة والحاكم بأمري دون غيري؟ صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. زقزقة العصفور، أشعَرَت الحاكم بشدَّة ضَعفه، ومن ثم راحت الأسئلة تخرج من رأسه طازجة، سريعة، متتالية كطلقات الرصاص: لقد نجحتُ في إسكات الأصوات.. كل الأصوات في المدينة، فكيف خرج صوت هذا العصفور؟ كيف..؟! كيف..؟! وأنا الذي أصدرت أوامري التي لا تَقبَل الشك أو الهزيمة أو حتى التراجُع على كل سكان المدينة.. كبارها وصغارها، فارضاً عليهم عدم فتح أفواههم، إلاَّ عند شرب الماء وأكل الطعام فقط، بعدما نجحت فكرتي في وضع أشرطة لاصقة من البلاستيك على أفواههم جميعاً، حتى أتقَنُوما الحديث بلغة الإشارة في ما بينهم. صوت العصفور يخرج في سعادة، حراً طليقاً يرفرف بجناحيه. اغتاظ الحاكم بعد شعوره بأنه مهزوم.. هزمه صوت هذا العصفور صغير الحجم. راح الحاكم يخطو خطوات بطيئة على أطراف أصابعه، وفى اللحظة المناسبة التي خيلت إليه نفسه أنه يستطيع أن يمسك العصفور بين يديه كي يقتل فيه صوته. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. طار العصفور في الهواء يغرد بحرية. جن جنون الحاكم عندما أمسك بين يديه الهواء، حيث دفعه غضبه الشديد إلى كسر المرآة. رأى شدة ضعفه المتكسرة تتربع في المرآة، أحس برأسه ينشطر نصفين من دون ألم. بعصبية شديدة، ضغط بإصبعه فوق الزر الكهربائي، ولم يرفعه إلاّ عندما رأى حاجيه يقف أمامه وهو يُردِّد بخوف: نعم.. نعم سيدي الحاكم. قال الحاكم وعيناه مازالتا تحدقان إلى المرآة وهو يرى فيها وجه المنشطر إلى نصفين: في التو واللحظة اجمع لي الوزراء. تعجب الحاجب الذي ألجمه أمر الحاكم و جعله يقف صامتاً لا يقدر على قول شيء. فليس اليوم يوم اجتماعات. صرخ الحاكم في وجه الحاجب: أسمِعتني..؟! - نعم.. - نفِّذ الأمر.. - حاضر.. حاضر سيدي الحاكم الوزراء اجتمعوا منتظرين قدوم الحاكم الذي تأخر كثيراً، يلفهم صمت مؤلم، يحدقون إلى وجوه بعضهم بعضاً يضربون أخماساً في أسداس. يرجون وصوله بسرعة لسبب، سبب واحد فقط إلى هذا الاجتماع المفاجئ الذي لم يحدث من قبل. - أوووووف غاضباً جلس الحاكم وسط وزرائه في توتر شديد. هذا التوتر الظاهر بقوة جعل الوزراء يتصببون عرقاً. غاصت عيناه في وجوههم ثم قال في عصبية: عليكم وضع الشريط اللاصق فوق أفواه كل العصافير.. كل طائر يطير بجناحيه مغرداً في الهواء. لم يجد واحد من الوزراء إجابة يرد بها على الحاكم، غير أنهم راحوا يتبادلون النظرات في ما بينهم.. صرخ الحاكم: لم أسمع منكم سمعاً وطاعة سيدي الحاكم.. بخوف وفزع رد رئيس الوزراء: لن نستطيع سيدي الحاكم و.. بحدة قاطعه الحاكم بقوله: كيف تجرؤ أيها الوزير على قول هذه العبارة في وجهي؟ راح رئيس الوزراء يشرح مُعللاً موقفه: - سيدي الحاكم: عندما أمرت بوضع شريط لاصق على أفواه كل سكان المدينة، كان هذا الأمر بسيطاً لأنهم يمشون على الأرض، وقد ساعدنا على تنفيذه طاعة سكان المدينة، فكيف لنا أن نضع شريطاً لاصقاً على منقار كل طائر في الهواء، ونحن لا نملك الطيران مثلهم؟؟ غاضباً، قام الحاكم من مكانه ضارباً بيديه طاولة الاجتماعات المستديرة، وهو يرد بكبرياء وغرور: أنا لا أريد صوتاً يعلو فوق صوتي. أنا لا أريد صوتاً غير صوتي.. كلمات الحاكم الغاضبة، الخارجة بقوة، جعلت المكان يهتز رأساً على عقب وجعل الخوف يسري في عروق الوزراء. قال رئيس الوزراء بتوتر: - ن.. ن.. نقتلهم. تبسم الحاكم في وجه رئيس الوزراء بعد أن استحسن فكرته التي أعجبته بشدة، وراح يقول على أثرها منتشياً سعيداً: جميل.. جميل جداً.. اقتلوا كل العصافير، كل الحمام وكل طائر يطير في الهواء. أنا لا أريد صوتاً يعلو فوق صوتي. هاء.. هاء.. هاء.. هاء.. شوارع المدينة صارت بحراً من الدماء. راحت تسبح فيها أقدام عسكر الحاكم. جثث القتلى من العصافير والحمَام منتشرة بكثرة في كل مكان، لم يطمئن الحاكم إلى تنفيذ أوامره، كعادته، فراح يطوف الشوارع منتشياً سعيداً، يتفقد أحوال جنوده. رفع رأسه بتعالٍ ينظر إلى صدر السماء تارة، وتارة ثانية يحدق إلى تلك الأشجار العالية الخالية من جالسيها. وتارة ثالثة ينظر أسفل قدميه، حيث العصافير والحمام الغارقة في دمائها. تبسم ابتسامة الواثق وسرعان ما راح ساخراً يقول: - صو.. صو.. أين أصواتكم؟ أين أجنحتكم؟ أين حرياتكم؟ أين أنتم الآن؟ هاء.. هاء.. هاء.. مصيركم تحت قدمي. راح يرتشف بشدة من كأس خمرة النوم. ينام.. ليستيقظ.. منتشياً سعيداً يقوم الحاكم من سريره كعادته، بعدما نجح في إسكات الأصوات، كل الأصوات. دفعه غروره إلى أن ينظر من شُرفة حجرة نومه. يغرس عينيه في صدر السماء الصافية. ثم راح ينظر إلى الأجساد الهزيلة التي راحت تتخبّط في بعضها بعضاً، وهم يتحاورن بلغة الإشارة التي اصطنعها لهم ونجحوا في إتقانها بدرجة جيد جداً، كعادتهم دائماً في تنفيذ الأوامر.. هاء.. هاء.. هاء.. هاء.. هاء صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. الصوت الخارج في قوة راح يقلق نوم الحاكم، الذي ظل يتقلب طويلاً طويلاً على جنبيه لعلّه يخلد إلى نومه. مضطراً خرج من نومه.. فتح عينيه، فليس هناك حل آخَر غير الاستيقاظ، ومن ثم الخروج من حلمه وعودته مرة أخرى لنوم هادئ.. راح يُحدِّق إلى سقف الحجرة غارقاً في رسومه الفرعونية للحظات، كعادته تأهباً للنوم، رويداً رويداً، راحت عيناه في نعاس تام. دخل الحاكم مسرعاً مقتحماً باب نومه بكل قوته. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. فزعاً قام من نومه واضعاً يديه فوق أذنيه، رافضاً بشدَّة سَمَاع ذلك الصوت. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. التفت ناحية نافذة الحجرة: مُنتشياً سعيداً كعادته راح العصفور يحدق إلى وجه الحاكم الذي استشاط غيظاً، ضارباً كفاً بأخُرى سائلاً نفسه في عجب: أنت لم تمت بعد؟ ولماذا لم تمت..؟! صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. صرخ الحاكم مُنادياً على حارسه، القابع كالتمثال أمام باب حجرته، فحضر مُسرعاً يسبقه إلى الحاكم خوفه الشديد. أشار إليه بقتل العصفور.. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. طار العصفور، فارداً جناحيه حراً طليقاً وهو يغرد في سعادة، طلقات الحارس لم تتوقف مازالت تخرج تباعاً، لكنها لم تُصَب العصفور بأذَى. جن جنون الحاكم. صرخ في وجه الجندي: كيف لم تقتله..؟! أجاب الجندي في هلَع: صوته ونظرته الحادة جعلاني غير قادر على التصويب نحو الهدف.. راح الحاكم يفكر ويفكر في أمر هذا العصفور الذي أزعجه كثيراً: ما من طائر يطير بجناحيه في الهواء إلا وأسقطته طلقات جنودي. فكيف لهذا العصفور لم يمت..؟! ولماذا هو بالتحديد؟. ولماذا يقصدني بتغريده؟ ولماذا..؟! ولماذا..؟! صرخ في وجه حارسه، الذي انتفض في مكانه مُغتسلاً بعرق خوفه جرّاء حديث الحاكم بينه وبين نفسه بصوته المرتفع، قائلاً: عليك أن تجمع لي أمهر الجنود الذين لا تُخطئ طلقاتهم النارية، ووضعهم أسفل الشرفة متخفين، وحين يأتي العصفور العنيد يطلقون عليه نيرانهم.. قال الحارس بخوف: حاضر حاضر سيدي. هَمَّ الحارس بالانصراف، أوقفته كلمات الحاكم: انتظر، قالها (الحاكم) فَتَسمَّر الحارس في مكانه يرتجف جسده خوفاً: أخبر الجنود أن الحاكم يأمركم: ممنوع النوم، ممنوع الحركة، ممنوع الهمس، حتى يأتوا لي برأس ذلك الملعون الصغير. أٍسرع الجندي يُلبِّي أوامر سيده وهو يردد في آلية منتظمة: حاضر.. حاضر سيدي.. ينام (الحاكم) هانئ البال. يستيقظ منتشياً سعيداً.. من خلف شرفته راح يطلق سهام نظراته في صدر السماء الصافية، ثم ينظر إلى عيون بنادق جنوده اليقظة المرابضة أسفل حجرة نومه تنتظر، فيحذر قدوم ذلك العصفور، راح يحدث في غمرة من السعادة: تمام.. تمام كما أمرتهم.. استيقظ (الحاكم) من نومه فزعاً على صوت طلقات النيران، راح يستطلع الأمر من خلف شرفته. لقد نجح جنوده في إسقاط ذلك العصفور، الذي راح يتهاوى في الجو ساقطاً على الأرض غارقاً في دمائه، وهو مازال يرفرف بجناحيه. أمر جنوده بوقف النار، نزل إليهم مسرعاً تأكل قدماه عتبات السلّم. وقف أما العصفور الغارق في دمائه، منتشياً سعيداً راح يُحدّق إلى عين العصفور، تقابلت الأعين. العصفور لم يخف أو يتراجع عن عناده. وعلى الرغم من الدم النازف منه بكثرة إلا أنه راح يصارع الموت بزقزقاته: صو.. صو.. صو.. صو.. صو. صوت العصفور الخارج في بطء وتثاقُل شديدين أشعَر الحاكم بشدة ضعفه. على الفور انتزع (الحاكم) بندقية أحد الجنود وراح يصوبها نحو رأس العصفور حتى يرهبه ويوقف صوته صو.. صو.. صو.. صو.. صو. خرجت الطلقات قوية متتالية من فوهة بندقية الحاكم حتى توقف صوت العصفور تماماً بعد أن فصلت الطلقات رأسه عن جسده. صعد إلى.. لا صوت يعلو فوق صوتي.. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. فزِعاً انتفض (الحاكم) من نومه. التفت ناحية الشرفة، حيث مكان العصفور الذي لم يجد له أثراً، أمر جنوده المرابطين أسفل حجرته بأن يطلقوا نيرانهم في قلب السماء. عاد إلى سريره.. راح يرتشف بشدة من كأس خمرة النوم. صو.. صو.. صو.. صو.. صو.. كابوس صوت العصفور راح يجثم على صدره كاتماً أنفاسه كلما خلد للنوم.. جسده يتوق إلى النوم، ولكن عقله يأبى النصياع؟ راح يضرب رأسه بشدة، وهو يردد صارخاً صو.. صو.. صو.. صو.. صو - أوقفوا ذلك الصوت.. أوقفوا ذلك الصوت.. أوقفوا ذلك الصوت.. | |
|