THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: الطمع القاتل..قصة قصيرة الخميس أكتوبر 01, 2009 11:19 pm | |
| الطمع القاتل..قصة قصيرة كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة والنصف من بعد الظهر، عندما عاد الأستاذ جادالله إلى بيته، الذي غداً موحشاً بعدما غادره الأولاد مع أمهم قبل يومين. الأستاذ جادالله، شاب في مقتبل العمر، يشع وجهه ذكاء وحيوية ونشاطاً، وهو ذو عينين عسليتين وشعر أسود وقامة معتدلة، امتلأت همّة وعزيمة وروحاً وثابة لا تعرف المستحيل. وما إن ولج البيت، حتّى قُرِعَ الجرسُ، فقفل راجعاً، وفتح الباب، فإذا به أمام رجلين: أبو أحمد، صاحب المكتب العقاري، ومعه شاب في الأربعينات. - السلام عليكم: كيف الحال يا أستاذ جادالله. - الأستاذ جادالله: وعليكم السلام، الحمد لله على كل حال. - صاحب المكتب: "لقد أتيتك بما تحب وترغب، إنه السيد علاءالدين، مندوب المبيعات، وهو يبحث عن غرفة للإيجار، وهو خريج كلية الآداب/ قسم اللغة العربية، لكنه لم يدرّس بعد، وقد تقدم بطلب للتدريس، وهو على استعداد لدفع نصف أجرة البيت كما طلبت". - الأستاذ جادالله: حسناً: "تشرفنا يا أستاذ علاءالدين وأهلاً ومرحباً بك في منزلك الجديد". - صاحب المكتب: "هيا فلنكتب العقد على بركة الله"، ما هي إلّا دقائق، حتى انتهى كل شيء وغادر صاحب المكتب العقاري البيت مسروراً بما حصّله من الرجلين، من عمولة. السيد علاءالدين: "ما رأيك يا أستاذ جاد أن نتناول طعام الغداء، معاً، فرقم هاتف المطعم القريب من هنا في محفظتي"؟. - الأستاذ جادالله: "اعذرني، فلا وقت لديّ، فموعد دوامي في المدرسة الخاصة قد اقترب في الساعة الثانية تماماً، سأراك اليوم مساءً، ونتحدث بما تشاء". قال ذلك، ودخل المطبخ على عجل وخرج ومعه لفافة من الزعتر، وقد تناول منها لقمة، قائلاً: "أراك مساء إلى اللقاء". وأغلق خلفه الباب والسيد علاءالدين يقف مشدوهاً مما يرى. مضت أربع ساعات، والسيد علاءالدين لا يزال نائماً في غرفته الجديدة. عام الأستاذ جادالله متعباً ودخل غرفة علاءالدين. قم يأخي، ها قد عدت. ينهض علاء الدين متثاقلاً، وتقوده رجلاه إلى غرفة الأستاذ جادالله. - علاءالدين: "إنني أمنّي النفس بسهرة جميلة معك، فمنذ زمن طويل لم أسهر مع أحد". - الأستاذ جادالله: "كان في ودي ذلك، لكن ما باليد حيلة، فموعد الدروس الخصوصية يبدأ الساعة السابعة إلى الحادية عشرة ليلاً. ما العمل"؟. علاءالدين: "لا أصدق ما أرى وما أسمع، هل أنت إنسان من مشاعر وقلب، أم آلة لا تكل ولا تمل. رفقاً بنفسك يا أخي إن لجسمك عليك حقاً، وإن لروحك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه. هل يُعقل هذا من السادسة صباحاً حتى آخر الليل. مع عدم المؤاخذة: تعمل كالحمير الطرابة والعشاء وخبيزة كما يقولون". - جادالله: "هل انتهيت؟ إذن اسمعني: أنا ما تركت بلادي وأهلي إلّا من أجل هدف واحد، هو جمع المال وتأمين مستقبل الأولاد والزوجة". أضاف: "هل تدري؟ منذ يومين كانت زوجتي هنا والأولاد، وقد غادروا، لأن ذلك يوفر علينا الكثير من المصاريف.. وأنت الآن تسكن غرفتهم". - وتابع: "يا أستاذ ليس للإنسان إلّا أهل بيته، وأنا أتحمل الغربة والعمل الشاق الذي لا يرحم، من أجل عيون أولادي وأمهم". - علاءالدين: "ولكن ارحم نفسك قليلاً وكن كما قال الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) و(لا يكلف الله نفساً إلّا وسعها)، رفقاً بنفسك يا أخي، واعلم أن الأرزاق بيد الله وحده، واعلم أن الصحة والعافية من الرزق أيضاً، ولولا الصحة والعافية، لما استطعت أن تعمل وأن تجمع المال، وإذا مات الإنسان فهل سيأخذ هذا المال معه"؟. جادالله: "علاءالدين، عليك أن تستغل كل دقيقة في غربتك، خاصة أنك لا تضمن متى سيكون رحيلك عن هذه البلاد، وحينها تأتي ساعة الندم، اسمع مني، وكن مثلي، قبل فوات الأوان. ثم إنني لا أجمع المال لنفسي، بل لزوجتي وأولادي. اسمعني جيداً: هل تعلم أن إخوتي من أبي وأمي قد جفوني وقاطعوني، وما من سبب إلّا الحسد، بعدما تدفقت الأموال من بين يدي في هذه البلاد؟ أعود وأكرر ليس لك إلّا أهل بيتك يا أخي". علاءالدين (مخاطباً نفسه): "هذا الرجل لا خير فيه لأهله، فكيف يكون فيه خير للآخرين؟ تباً للمال إذا كنت سأخسر أهلي بسببه. إني أرثي لحالك يا جادالله". ابتسم علاء قائلاً: "يبدو أن لا فائدة من الحوار معك، وليبارك لك الله في ما جمعت، وما ستجمع من أموال. لكن عندي سؤال يحيرني: كيف تستطيع العمل والوقوف على رجليك، وأنت لا تتناول من الطعام إلّا هذه اللفافة"؟. جادالله: "إنني بذلك أضرب ثلاثة عصافير بحجر، أولاً: السمنة في هذه البلاد مشكلة كبيرة على القلب وخطورة على الصحة، ثانياً: لا وقت لديّ لإعداد الطعام، ثالثاً، إنني بذلك أوفر الكثير من المال، الذي هو من حق الزوجة والأولاد". بعدها، مضى الأستاذ جادالله مسرعاً إلى دروسه الخاصة، وهو يقول: "إلى اللقاء أراك في آخر الليل إن كنت مستيقظاً". علاءالدين: "لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم". مضت سنة كاملة، جادالله وعلاءالدين يعيشان معاً حياة شبه روتينية. إذا كانا لا يلتقيان إلّا نادراً في يوم الجمعة. أما في أيام الأسبوع، فنادراً ما يلتقيان أو يتحدثان، فأوقات العمل لا ترحم، ولن ترحم جادالله، الذي كان يتوجه في نهاية كل شهر إلى مكتب الصرافة، لتحويل ما جمعه من أموال إلى زوجته وأولاده. وفي عصر أحد الأيّام، أيّام الجمعة، كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة، عندما اتصل جادالله بعلاء قائلاً: "سأدخل الحمام، ثم سنخرج معاً إلى أحد المقاهي لنفرّج عن أنفسنا يا علاء فما رأيك"؟. علاءالدين: "أنا موافق وأنا سعيد لأنك رحمت نفسك اليوم. هيا سأستمع إلى أخبار "الجزيرة" ريثما تنتهي من حمامك يا جادالله". ما هي إلّا دقائق معدودة، وإذا بالأستاذ جادالله وقد خرج من الحمام وقد ضاق نفسه، واحمر وجهه، قائلاً: "أشعر بتعب شديد يا علاءالدين، وبوخز في صدري". أتمَّ جادالله كلامه، وخرَّ مغشياً عليه. أسرع علاءالدين وأوصله إلى السيارة، ثم إلى أقرب مستشفى، حيث لم يصدق ما تسمع أذناه من طبيب الإسعاف: "العوض بسلامتك إنا لله وإنا إليه راجعون، عظّم الله أجركم وجعل مثواه الجنة. لقد أصيب بسكتة قلبية، نتيجة الإرهاق الشديد والحرارة العالية". مضت أيام، والأستاذ علاءالدين في حالة نفسياً وجسدية يُرثى لها، فقد أُنهك تماماً في إنجاز معاملة الوفاة والتسفير والدفن، وجمع المال، من أهل الخير، ومن مدرسة المرحوم جادالله. وهو قرر عدم إخبار زوجة جادالله بوفاته، إلّا الانتهاء من كامل الترتيبات، التي تُوجت بوضع جثمان المتوفى في ثلاجة الموتى، ريثما تنتهي المعاملة في انتظار تسلّمها وتسفيرها. أخيراً، أمسك علاء الهاتف: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: مَنْ زوجة الأستاذ جادالله"؟. نعم: "من المتكلم"؟. أنا علاء زميل الأستاذ جادالله، وأنا أسكن معه في الشقة، يؤسفني أن أخبركم أن الأستاذ جاد الله قد فارق الحياة، وقد صار في دار الحق، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم". الزوجة: ماذا تقول: كيف؟ ولماذا؟ ومتى"؟ ما إن انتهى علاء من شرح قصة الوفاة، حتى بادر قائلاً: "والآن، ماذا سنفعل؟ وكيف سننقل الجثمان"؟ وإذا بالزوجة تقول: "أستاذ علاء إذا كان نقل الجثمان يكلف مالاً كثيراً، فادفنوه عندكم، وابعث لنا تعويضات الأستاذ جادالله المادية الكافية، وجزاك الله عنا كل خير. هل معك قلم؟ إذن سجّل العنوان وحوّل لنا الفلوس في أسرع وقت ممكن، لأننا في أمس الحاجة إليها". | |
|