[center][size=21]أدوية الأعصاب والتنحيف وخطر التلاعب بكيميائيات الدماغ
تعالج العقاقير التي تستهدف
مادة السيروتونين Serotonin كل الأعراض بدءاً من الانهيار العصبي وانتهاء
بالسمنة . ولكن أحدث الاكتشافات يحذر من مغبّة التلاعب بكيميائية الدماغ .
للوهله الأولى تبدو هذه الحالات المرضية التالية :
أعراض الرشح الدائم وعدم التمكن
من النوم والأكل وفقدان الوزن والخضوع للعلاج الشعبي المنحف الفان فان
Fen/phen – التوتر العصبي والشعور بالخوف الدائم من الموت وتناول جرعات
الزولوفت Zoloft – غير مرتبطة تماماً ، فهي اصابات مختلفة تعالج بواسطة
أدوية مختلفة ولكن الواقع هو أن العقاقير الثلاثة التي تم وصفها لهذه
الحالات تحتوي على عنصر أساسي مشترك .
فهي تستهدف المادة الكيميائية السيروتونين Serotonin
الموجودة في الدماغ . على الرغم
من أن الباحثين تعرفوا على هذه المادة منذ حوالي النصف قرن ، إلا أنهم لم
يتمكنوا من التوصل إلى إدراك أهمية دورها الحيوي في الوظائف النفسية إلا
خلال السنوات الأخيرة الماضية ،
حيث وجد
الباحثون أن زيادة أو نقص هذه المادة مسؤولان ليس فقط عن الإنهيار العصبي
وفقدان التحكم بالشهية والتصرف التواتري الاختلالي ، والرهبة الاجتماعية ،
بل ايضاً عن القلق وحالات الخوف وأعراض ما قبل الدورة الشهرية والصداع
وحتى العنف المفرط .
وقد ترافق هذا الوعي المتنامي
للدور الحيوي للسيروتونين في حالة مزاج الإنسان ومشاعره . وفي بعض الأحيان
كان ايضاً ناجماً عن الفورة في تصنيع الأدوية التي استهدفته بشكل أو بآخر
.
ومن هذه العقاقير مضادات
الانهيار العصبي والإرهاق على غرار الأدوية الشعبية الـ Elavil و Zolfot و
Prozac والنبتة الطبية سان جان وارت وتلك القابضة للشهية مثل Redux و
Fenfluramine وأدوية العلاج النفسي مثل عقار الـ Clozapine ككل عقار
تترافق هذه الأخيرة مع آثار سلبية . فالـ Elavil يسبب النعاس , والـ
Zoloft يثير ألم الرأس والغثيان ، والبروزاك يؤدي الى تراجع في الوظائف
الجنسية . جميع هذه الأعراض هي بالطبع أمر مزعج لكنه في كل الأحوال يشكل
الثمن الذي يجب أن يدفعه العديد من المرضى .
<blockquote>
العوارض السلبية الأكثر خطورة :
</blockquote>
جميع هذه
السلبيات كانت أمراً مقبولاً إلى أن ظهرت مخاطر جديدة ، في أواخر العام
1997 ، وأصبح واضحاً لدى الجميع ان التلاعب بكيميائية عقل الإنسان قد يحفز
مشاكل أخطر بكثير من مجرد الأرق او اختلال النشاط .
فبعد مرور سنة ونصف فقط على مرافقته بمنح الترخيص لعقار Redux في علاج السمنة ، أصدر مكتب الغذاء والدواء الأمريكي تحذيراً
ينصح المرضى بالتوقف عن تناول هذا العقار ومرادفه الشبيه به الـ
Fenfluramine . وفي الوقت عينه طلبت الشركات المصنّعة وفي طليعتها مختبرات
Wyeth Ayerst من الموزعين والأطباء بعدم وصف هذين العقارين وعمدت إلى
اتخاذ خطوات سريعة لسحبها من الأسواق باقصى سرعة .
والسبب وراء
كل هذه الإجراءات الطارئة مردّه إثبات جديد كشف أن نسبة 30 في المئة من
الذين استخدموا الـ Redux و Fen/phen وعرضة لحدوث تشوهات في صمامات القلب
وهي إصابة خطرة جداً قد تؤدي الى الوفاة الحتمية .
هذا الأثر السلبي المميت ليس
الوحيد أو الأول الذي تم التعرف إليه . فعندما تمت الموافقة على إنزال
Redux إلى الأسواق كان كل من مكتب الغذاء والدواء ومختبرات Wyeth- Ayerst
المصنعة على علم مسبق بأن هذا الدواء قد يسبب عارضاً خطراً جداً وقاتلاً
وهو إصابة الرئتين بارتفاع الضغط الأولي ، ولكن بما أنه بدا في حينه أن
أقلية ضئيلة جداً من مستخدمي هذا الدواء قد تتعرض لهذه الاثار الجانبية
السلبية وفي مقابل ما تسببه السمنة من مخاطر كبيرة أهمها أمراض القلب
والسكري والجلطة الدماغية وارتفاع ضغط الدم ، سجّل هذا الدواء نقاطاً
حاسمة لصالحه في ميزان السلبيات مقابل الفوائد المرجوّة
سوء الاستخدام
ماذا إذا انقلبت هذه المعادلة رأساً على عقب بشكل مفاجىء ؟
يعود هذا التحوّل في جزء منه
إلى أن التجارب السريرية التي تجري عادة لاختبار مفاعيل الأدوية لا تبين
سوى الأعراض الجانبية الأكثر وضوحاً ، والتشوهات في شكل صمامات القلب لا
تسبب في الأساس أية أعراض ظاهرة عند معظم المرضى ، إضافة إلى سوء
الاستخدام ، حيث لم يتم احترام الشروط التي يفرضها مكتب الغذاء والدواء –
السلطة الأمريكية المخوّلة منح الترخيص لاستخدام أي دواء – والتي تقضي
بعدم استخدام أو وصف هذين الدوائين الـ Redux والـ Fen / Phen
سوى في حالات السمنة المفرطة .
يعكس هذا التبدل الحاد ايضاً
معرفة أعمق بحقيقة مادة السيروتونين . فعلى رغم السنين الطويلة من
الدراسات والإنجازات المؤثرة ، لم يتمكن الباحثون سوى منذ فترة وجيزة من
فهم الدور الكيميائي المعقد في وظائف الجسم والدماغ ومن معرفة كيفية تحقيق
التوازن عندما تختلّ معدلات السيروتونين .
" فالوسائل المستخدمة حتى الآن في التعامل مع هذه المادة في الدماغ مازالت بعيدة عن تحقيق النجاح
فهي فعالة بشكل غير متقن قد يعود بالضرر المتوازي " .
هذا ما يؤكده الأخصائي في طب الأعصاب باري جاكوبس من جامعة Princeton ، الذي يعترف بالإخفاق قائلاً :
" ما زلنا لا نعرف ما يكفي حول كيفية عمل الدماغ"
حقيقة كيميائية الدماغ
ومع هذا لابدّ من القول إن
الباحثين تمكنوا من إنجاز تقدم في هذا المجال . فقد كشفوا بعد جهود عقدين
من الزمن أنه في غياب الناقلات العصبية التالية :
السيروتونين Serotonin
الدوبامين Dopamine و Norepinephrine ومئات اخرى ، لا يستطيع الدماغ
معالجة المعلومات الواردة إليه ولا إرسال التوجيهات لإدارة بقية أعضاء
الجسم ، وذلك لأن الخلايا العصبية أو الNeurons ليست متصلة ، بل تفصل
بينها فجوات تعرف بالسينابس Synapse . وعندما تصل التوترات الكهربائية
التي تحمل المعلومات في الجهاز العصبي ، إلى نهاية النيرون ، سوف تقف هناك
وينقطع التيار . ذلك بالطبع في حال عدم وجود الناقلات العصبية
Neurotansmitter تلك الكيميائيات المخزّنة في اكياس صغيرة جداً يطلق عليها
اسم Vesicles متمركزة في اطراف الخلايا العصبية .
عند وصول الإشارة الكهربائية
إلى هذه الأكياس ، تطلق هذه الأخيرة مخزونها من الناقلات العصبية التي
تسمح بعبور الإشارات إلى الخلايا العصبية المتلقية المجاورة مشكلة بذلك
جسر عبور . بعد نهاية مهمتها ونقل الرسالة تنفصل هذه المواد الكيميائية عن
الأكياس فيعاد امتصاصها او يتم تدميرها .
هذه هي وظيفة السيروتونين وغيره بعبارات بسيطة جداً
. ولكن عملياً فإن العملية هي اكثر تعقيداً .
أولاً :
إن كل خلية عصبية مخصصة بإطلاق
ناقل عصبي مختلف ، بعضها يحمل رسائل تنقل الوقائع حول العالم الخارجي –
كالأصوات والأضواء وغيرها – وتحولها إلى معلومات مفيدة . بعض الأعصاب
الناقلة الأخرى تتولى مهمة نقل رسائل الحركة وتوجيه الأوامر بالانقباض او
الاسترخاء إلى العضلات .
ولكن فئة صغيرة من كيميائيات الدماغ ومن بينها بصورة خاصة مادة السيروتونين تخدم أهدافاً مختلفة بطبيعتها تمام الاختلاف .
وكما يشير مدير المؤسسة الوطنية الأمريكية للصحة العقلية ستيفان هيمان
" فإن هذه الناقلات العصبية من السيروتونين تعدّل المعلومات الخام وتحولها فتعطيها الطابع المزاجي " .
هذه المهمة يصفها الأخصائي في علم النفس في جامعة نورثويست جايمس ستوكارد بعبارة أكثر شاعرية عندما يقول :
" إن مزاج الإنسان وطباعه هو أشبه بالسيمفونية التي يتولى فيها السيروتونين دور قائد الأوركسترا ".
بعض الناقلات العصبية الأخرى
تساعد مثلاً في الإحساس بامتلاء المدة ، السيروتونين يمنحنا الإحساس
بالرضى أو عدمه ، في حين تساعدنا الكيميائيات الأخرى على رؤية مستوى الماء
في كوب ، السيروتونين هو الذي يتولى مهمة التقرير إن كنّا سننظر إلى الكوب
باعتباره نصف ملآن او نصف فارغ
تكوين السيروتونين في الدماغ مع
اضطلاعها بهذه المهمات الواسعة جداً ، لا عجب في أن تكون كيميائيات الدماغ
هذه متورطة في العديد من حالات الاختلال الذهني أو عدم التوازن المزاجي ،
ولا عجب في أن يكون السيروتونين على رأس اللائحة . تنشأ الخلايا العصبية
المسؤولية عن إنتاج السيروتونين في نواة Raphe في الجزء الأيمن في القاعدة
العميقة من الدماغ . ومن هناك تمتد هذه الخلايا في كل الدماغ ونزولاً نحو
النخاع الشوكي بشكل محاور عصبية Axon ، مكونة شبكة اتصالات واسعة يعبر من
خلالها السيروتونين إلى كل أجزاء النظام العصبي .
وفي حين يقتصر انتقال بعض
الناقلات العصبية ضمن نطاق الدماغ فقط ينتشر السيروتونين في كل اعضاء
الجسم . ويتفاوت تأثيره بشكل واسع ، بحسب مجموعة متنوعة من العوامل .
فما هي هذه العوامل ؟
أولاً
إن الناقل العصبي الواحد قد يتصل بأكثر من نوع واحد من الخلايا المتلقية
Receptor وقد تمّ التعرف إلى 51 نوعاً مختلفاً من متلقيات السيروتونين
وحده . وبما ان الخلية العصبية قد تتمتع بعدد أكبر أو أقلّ من المتلقيات ،
بحسب موقعها من الدماغ ، فإن باستطاعه الناقل العصبي Neurotransmitter أن
يولد إشارات كهربائية متفاوتة القوة والتوتر .
بدءاً من الإحساس بالتخمة ،
انتهاء بحالات الإنهيار العصبي . ويوضح أيضاً لماذا يؤدي النقص في هذه
المادة إلى نشوء حالات مرضية مختلفة تماماً بعضها عن بعض وذلك وفقاً للجزء
المصاب بالنقص في الدماغ . فالخلل الاستحواذي التسلطي ( هاجس يستبّد
بالمرء على نحو غير
دورة السيروتونين الطبيعية
أ – يتجمع السيروتونين ضمن اكياس صغيرة في نهاية الخلايا العصبية .
ب- عندما يتم تحفيز الخلايا ، بواسطة الإشارات الكهربائية ينفتح غشاء الأكياس وتطلق الناقل العصبي إلى نقطة الاشتباك أو Synapse
ج- تنتشر الناقلات العصبية
ومنها السيروتونين عبر الفراغ وترتبط بنوع من البروتينات بشكل الخلايا
العصبية المتلقّية في الجانب الآخر .
ه- عندما تنتهي مهمة
السيروتونين في نقل الرسائل العصبية ، يعود لينفصل عن الخلايا المتلقّية
الأولى ويعاد تخزينه من اجل استخدام لاحق كيفية عمل الأدوية التي تستهدف السيروتونين
و- يعمل عقار البروزاك والأدوية
الأخرى المضادة للانحطاط على تعزيز دور الناقل العصبي وذلك من خلال منع
إعادة امتصاص أو استيعاب الكميات التي تم إطلاقها .
ز- يتجاوز عقارا الريدوكس
والفافلورامين دور البروزاك فيثيران الخلايا العصبية على إنتاج كمية
مضاعفة من السيروتونين داخل السينابس .
ح- يرجّح بعض العلماء أن يكون الإفراط في إنتاج السيروتونين هو المسؤول عن التسبّب بتشوّه صمامات القلب .