THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: عناصر الطبيعية والاكتساب المعلوماتي الخميس نوفمبر 13, 2008 3:06 pm | |
| عناصر الطبيعية والاكتساب المعلوماتي يتم اكتساب المعلومات عند الأفراد عن طريق الاتصال فيما بينهم بطرق مباشرة، شفهية أو لمسية أو تعبيرية بأعضاء الجسد، وبطرق غير مباشر، من خلال أدوات الاتصال الصنعية. لكن الطبيعة نفسها تتدخل هنا أيضا لتقدم معلومات محددة لهم، يتم تلقيها مباشرة عن طريق الحواس، لتسهم في تشكيل المعرفة الفردية لديهم، ومن ثم تحديد تصرفاتهم. والحياة اليومية مليئة بهذه المكتسبات المعلوماتية التي تقدمها مختلف الظواهر الطبيعية، خاصة أن الإنسان يعيش بتماس مباشر ودائم مع الطبيعة. غير أن عملية الاكتساب المعلوماتي المباشر من الطبيعة لا تحدث ببساطة، إذ لا يتم الوصول إلى ذلك إلا من خلال أطر وقواعد ومنظومات، يبدعها الإنسان للتعامل مع ظواهر الطبيعة نفسها وضمن عملية فهم قوانينها. وبمقدار فهم هذه القوانين، في انتظامها وتغيراتها النوعية على أسس علمية دقيقة، يمكن الوصول إلى معلومات وظيفية جديدة دقيقة وصحيحة، تخدم الأفراد في حياتهم اليومية. علما بأن معرفة القوانين العلمية المكتشفة، والتي تتحكم بإدراك وفهم الظواهر الطبيعية، تحمل خبرات سابقة متراكمة لأجيال متتالية، يقوم من خلالها العقل باستقبال وتقييم المعلومات الجديدة للاستفادة منها والتحكم في النهاية هدفية وصحة التصرفات. وهكذا فإن الغيوم بأنواعها والرياح بشدتها وحرارة الشمس المرتفعة وعلو أمواج البحر وتنوع تضاريس الأرض وتقلبات الليل والنهار وتغيرات الفصول والانهدامات الجيولوجية والغطاء النباتي هي أمثلة لظواهر طبيعية متنوعة ومتكررة، يمكن من "قراءتها" استخلاص معلومات جديدة. هي تدعم العقل في تحديد أفعال الإنسان ليس في تعامله مع الطبيعة فقط وإنما ممارسة الحياة اليومية أيضا. إن التمثيلات الصنيعة، بمنظوماتها المختلفة من لغوية وسيعة وبصرية، والتي ابتكرها الإنسان خلال تاريخ بناء حضارته ضمن إطار فعالياته الاجتماعية، هي نتاجات فكرية إبداعية ظهرت في سياق محاولاته تسجيل معلوماته وتنظيمها وحفظها. وعلى غرار آلية إبداع هذه التمثيلات الصنعية وربطها بأوعية لحفظها يتعامل الإنسان مع الطبيعة بالطريقة نفسها، إذ أن الهدف النهائي هو اكتساب معلومات وظيفية. إلا أنه في التعامل مع الطبيعة فإن كل فرد يستطيع اكتساب معلومات متنوعة، إما مباشرة بإدراكه الطبيعي أو باستخدام أدوات قياس صنعية، وبغض النظر عن درجة علمه أو خبرته أو المستوى الاجتماعي الذي يعيشه. والإنسان الذي يعيش بتماس مباشر مع الطبيعة، بعيدا عن أجواء الحضارة المدينية وطرق الحياة فيها، قد يطور طرقا متقدمة خاصة به لاكتساب المعلومات من عناصرها دون وسائط صنعية، معبرا بذلك عن عمق خبراته في التعامل مع البيئة الطبيعية المحيطة به. وتتدخل هنا دوافعه الغريزية وحدسه الخاص في تعامله مع ما وراء الظواهر واستشفاف ما يفيده منها لاستمرار وجوده. ويتم الاكتساب المعلوماتي من الطبيعة من خلال منظومات مبتكرة، تتشكل مكوناتها من عناصر طبيعية مختارة، تقدم الدلالات وفق قواعد وآليات ترميزية مقابلة لها، متعارف عليها اجتماعيا. ويمكن لهذه المنظومات أن تكون مبتكرة حتى من فرد محدد بعينه، يبتدعها لنفسه ويقترب منها بحدسه الخاص. وهذا يعني تعدد وتنوع المنظومات التي نتعامل بوساطتها مع الطبيعة بتعدد الأفراد الذين يبدعونها أو يدخلون في سياق وإدراك آلية عملها، كل حسب تميزه الفردي. إن الغيوم السوداء هي حاملة للمطر، وارتفاع أمواج البحر عاليا يعني اقتراب العاصفة، وغياب الشمس يعني قدوم الظلام، ونمو أزهار نباتات معينة هو من دلائل قدوم الربيع، والدخان هو دليل احتراق مادة ما. إن مثل هذه القوانين في الأمثلة السابقة هي منظومات ذات اتفاق جمعي، يمكن بوساطتها لمجموعات مختلفة من الأفراد اكتساب معلومات منها بقدر ما يمتلكون من الخبرات الجماعية المؤطرة بحدود واضحة. غير أن من الممكن بالمقابل اكتساب معلومات شخصية بواسطة منظومات يبتكرها فرد واحد لنفسه، كمعرفة شخص لمادة محترقة من خلال شكل وكثافة ولون الدخان، معتمدا في ذلك على حدسه الخاص. وفي مثل هذه الحالات تلعب الروائح والألوان وأشكال تضاريس الأرض ودرجات الحرارة والبرودة، وعلى الأخص ما يرتبط منها بالحصول على الاحتياجات الضرورية للحياة، دورا مهما في تحديد معلومات شخصية. ويمكن مشاهدة دلائل لمثل هذه المكتسبات المعلوماتية الفردية لدى الرعاة المنعزلين في الجبال أو لدى البدو المتنقلين في الصحاري، وبدرجة أقل لدى الفلاحين في الأرياف. علما بأن الحضارة بأدواتها ووسائل اتصالاتها الحديثة أصبحت لا تترك الآن. إلا في النادر- أفرادا أو مجتمعات صغيرة منعزلة انعزالا كليا في بيئاتهم الطبيعية. ويمكن أيضا لمعلومات معينة مكتسبة من الظواهر الطبيعية أن تؤدي على المستوى الاجتماعي إلى تصرفات فردية بحتة، أي تصرفات مرتبطة بفرد دون أن تعني للآخرين التأثير والمعاني نفسها. فقد يترك سقوط المطر مثلا مشاعر أيجابية متفائلة لدى البعض ومشاعر سوداوية لدى آخرين، في حين قد لا يترك ذلك أي تأثير عند أشخاص آخرين. وهذا يعني أنه يمكن للظواهر الطبيعية، مثلها مثل أوعية المعلومات التليدية، أن تقدم معلومات محددة، قد تثير أو تفجر عواطف ومشاعر مختزنة في الشعور والوجدان. ويقودنا الحديث عن العلاقة بين الظواهر الطبيعية وإمكانيات اكتساب المعلومات منها إلى النظر هذه الظواهر في إطار مفهوم "أوعية المعلومات" بما تقدمه من رموز ودلالات، مؤطرة بمنظومات صنعية ومعاني تأخذ تحديداتها من خلال الاستخدام الاجتماعي لها. وبهذا المعنى تصبح الغيوم والبحار والأنهار وتضاريس الأرض والغطاء النباتي والعواطف وغيرها من عناصر الطبيعية أوعية تمثيل للمعلومات، عندما يتم إدخالها في إطار المنظومات الفكرية بالترابط مع القوانين التي تدرس انتظام حركاتها وآلية تحولاتها. إن فكرة إدخال الظواهر الطبيعية في إطار مفهوم "أوعية تمثيل المعلومات" تبدو صعبة القبول ضمن الأشكال التقليدية للتفكير التي جرى الاعتياد عليها. وهذا ما نجده أيضا في الإشكالية المتعلقة مثلا بالرسوم التي تركها الإنسان البدائي على جدران الكهوف أو التسجيلات المنقوشة على الرقم الفخارية، التي يعود إلى حضارات بلاد الرافدين. ويبدو ذلك صعبا من جهة إمكانية جمعها مع الكتب الورقية في مفهوم واحد كأوعية معلومات، خاصة أن مكانها المناسب هو المتاحف وليست مستودعات الكتب. إلا أن عصر المعلومات والاتصالات قلب الكثير من المفاهيم المتداولة سابقا في مجالات الفكر والمعرفة والتصال الاجتماعي وأدواتها، فبدلا من مصطلح "النصوص الورقية" بدأنا نستخدم أكثر فإكثر مصطلحات "البيانات" و"المعلومات"، مؤطرة بجميع الحوامل الطبيعية والصنعية الي يمكن أن تحوي تمثيلات لها. وقد سمح لنا هذا التوسع في مفهوم الأوعية الحاملة للمعلومات الوصول إلى رؤية أوسع وأشمل تضم كل تمثيلات الإبداعات والرؤى الفكرية الإنسانية المكتشفة حتى الآن وما يمكن أن يتم اكتشافه في المستقبل، سواء أكانت على جدران الكهوف أو على عظام الحيوانات أو في الكتب الورقية أو في الصورة الإلكترونية وصولا إلى عناصر الطبيعة. إن التعامل مع الطبيعة هو أساس وجود الإنسان وفعاليته، حيث لم تغير الحضارة في الجوهر من آليات الارتباط بها، على الرغم من الظاهر الحديثة للحياة الاجتماعية التي تم الوصل إليها. إن إدخال عناصر الطبيعة ضمن مفاهيم أوعية المعلومات مرتبط بشكل واضح بمفهوم المعلومات وطرق اكتسابها واستخدامها الوظيفي، وهو ما مارسة الإنسان منذ بداية وجوده في الطبيعة. ينبغي أن يذكر هنا بأن الإنسان قادر على ابتكار منظومات صنعية عديدة، تنتظم فيها المعلومات المكتسبة لديه، دون أن تقتصر عناصرها على التمثيلات اللغوية والسمعية- البصرية المتعارف عليها أوعلى ظواهر من الطبيعة. بل تتعدى ذلك إلى طرائق وأشكال عملية مبتكرة، مرتبطة بطبيعة الحياة الاجتماعية وبتطور أشكالها الحضارية. وهذه المنظومات تتعدد بتعدد الحاجات والغايات لحفظ المعلومات المكتسبة وإمكانية نقلها بين الأفراد، وهي تعبير عن فكرة استغلال كل ما يقع في نطاق فعلهم واختيارهم من أدوات صنعية، لتدخل كعناصر حاملة للأفكار والمعلومات. فبعض الأشخاص يعقدون المناديل في جيوبهم أو يضعون الساعة في معصمهم الأيمن بدلا من الأيسر، ليتذكروا معلومة محددة في وقت لاحق يتوقعون نسيانها فيما لو اعتمدوا على الذاكرة. وهكذا يمكن لعقدة المنديل أو طريقة وضع الساعة أن تخزن معلومة لوقت لا حق عند شخص يعطي أهمية لهذه الطريقة الفردية الخاصة به. ومثل ذلك من يدفن شيئا في الأرض ليخفيه عن الأعين، ثم يضع علامات مميزة خاصة به لتذكره بمكانه عندما يريد العودة إليه. وحتى لو كانت مثل هذه المنظومات شخصية فردية بحتة، تقوم بحفظ معلومة لا يدركها إلا صاحبها بطريقته الخاصة، فإن الإنسان قادر على ابتكار منظومات ذات فائدة جماعية بالطرق نفسها، بحيث يكون بإمكانة نقل معلومات إلى مجموعات عديدة مادامت تعرف قواعد تشكلها وتكوينها. فقرع الجرس الخارجي على باب المنزل يحمل معلومة قدوم شخص زائر، ينبغي فتح الباب له لأن حمل المفتاح مقتصر على أصحاب المنزل. وقرع الجرس في المدرسة هو إعلان عن انتهاء حصة دراسية أو يوم دراسي. وشبيه بمثل هذه المنظومات رنين جرس الهاتف وصوت صفارة المصنع ونظام إضاءة مصابيح السيارات أثناء سيرها وأضواء منارات البحار والمرشدات الضوئية الموضوعة على أسطح البنايات العالية وأجهزة الإنذار عن الحرائق وصفارات إنذار سيارات الإطفاء والإسعاف وغيرها، وهي بالنتيجة أساليب صنعية مبتكرة لنقل معلومات محددة من خلال دلالات ورموز معروفة من قبل مجموعات بشرية عديدة تخدمها في حياتها العملية. وهكذا يمكن النظرإلى الإنسان على أنه كائن حي منفعل ومتفاعل مع الطبيعة والحياة الاجتماعية المحيطة به، يعيش بحركة دائبة ونشطة، وتقوم حواسه بالتقاط دائم لكل المؤثرات حوله، والتي ما تتفاعل مع عوالمه الداخلية لتنعكس في طرائق تفكيره وتصرفاته. وفي عصر المعلومات والاتصالات، برؤاه ومفاهيمه الجديدة المرتبطة بالمعرفة وسلوك الأفراد، يمكن النظر إلى الإنسان من منظار مختلف جديد، من منظار شبكات عديدة، نفعية ورمزية وذات دلالات وظيفية متقاطعة ومعقدة يبدعها هو. إلا أنه يعيش في فضاءاتها بتفاعل نشط معها من خلال حواسه وما تلتقطه من معلومات مباشرة أو عن طريق أدوات حفظ ونقل معلوماتي. وهكذا يتحدد إبداع الإنسان، فكرا وفعلا، من خلال التفاعل الجدلي بين عوالمه الداخلية وعوالمه الخارجية في سياقات متقاطعة. بحيث يبرز هنا جانبان مؤثران في بناء معرفة الإنسان وانعكاسها في أفعاله، الغريزة الإنسانية بجذورها البدائية العميقة في حياة الجنس البشري من جهة والعقل بخبراته ومكتسباته الحضارية من جهة ثانية. ولكن السلوكيات والتصرفات بسماتها الجمعية، رغم التمايزات الفردية الصغيرة فيما بينهما، هي التي تعطي المعرفة معناها الجمعي كتراكم تاريخي مكتسب للبشرية. | |
|