THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: آلية تفاعل المعلومات في العقل الخميس نوفمبر 06, 2008 3:32 pm | |
| آلية تفاعل المعلومات في العقل إن عملية تفاعل المعلومات في العقل معقدة جدا، من حيث انتقاؤها واكتسابها ومعالجتها وإهماله لبعضها. فهناك معلومات تسهم في توليد معرفة خالصة لأهداف عملية، وهناك معلومات تقوم بالتحريض، فتثير صورا أو أفكارا أو رؤي أو حالات وجدانية شعورية، تسهم في خلق أجواء نفسية معينة تؤثر بدورها على إنتاج المعرفة. والفهم آليات هذه العملية بتنوعها وتكاملها في كلا الاتجاهين يمكن أن نقدم مثالا عن المعلومات الصوتية التي نتلقاها عن طريق حاسة السمع، علما أن كثيرا من المعلومات لا يقتصر تلقيها على حاسة واحدة وإنما من خلال حواس عدة في الوقت ذاته. لا يوجد في الواقع شيء اسمه الصمت في الطبيعة أو في الحياة اليومية للإنسان. فتحى في سكون الليل أو في أحضان الطبيعة البكر، عندما يمكن للصوت الإنساني أن يهدأ لبعض الوقت، هناك دائما ضجيج ما، دمدمة، حفيف أوراق شجر، أصوات حيوانات وحشرات. ويمكن أن نضيف هنا أصوات العوالم الداخلية للإنسان، ليس بمعنى الأمراض النفسية وإنما بالمعنى الشاعري الوجداني، وهي عوامل تؤخذ بالحسبان في حال إنتاج معرفة إبداعية. لقد رافقت الأجواء الصوتية الإنسان منذ بدء وجوده في الطبيعة، إلا أنه كلما تقدمت ممسيرته الحضارية، كلما ازدادت غنى وتعقيدا من حوله، خاصة الأصوات الصنعية منها المرتبطة بالابتكارات التقنية في مجال الآلات والأدوات التي يستعملها في أعماله اليومية ويتعامل بواسطتها مع الطبيعة. ويكفي أن نسير في شوارع إحدى المدن لنتعرف على غنى الأجواء الصوتية التي تعج بها الحياة من حولنا، والتي يمكن النظر إليها من منظار البيانات الصوتية. فهناك أصوات طبيعية، كالأصوات التي تعرف من خلال تأثيرات الظواهر الطبيعة على الأشياء، كالرياح أو الأمطار. وهناك أصوات صنيعة، كأصوات المحركات والآلات والأدوات، ومنها أصوات الآلات الموسيقية أو تسجيلاتها. وهناك أصوات إنسانية، كأصوات الباعة والمحادثات بين الأشخاص. وهكذا تضج الحياة في الشارع بخليط متشابك مبهم من هذه الأصوات، لتشكل خليفة ثقيلة نتحرك من خلالها بطريقة اعتيادية، دون أن تعنينا أجواؤها رغم وجودنا في حالة تيقظ عال واستعداد دائم لالتقاط معلومات محددة منها. تتحول بعض هذه البيانات الصوتية إلى معلومات صوتية عندما تشكل لنا هدفا ما، لتسهم عندئذ في تشكيل معرفة معينة نقرر خلالها خيارنا وفعلنا. فقد نسمع مثلا صوت بائع ينادي على بضاعة ما فيلفت انتباهنا حاجتنا إليها أو سعرها المناسب، بالتالي تتحول البيانات الصوتية التي يطلقها البائع إلى معلومات لنا. ويشكل العقل عندئذ معرفة بناء على ما يقدمه البائع من معلومات مدعومة باسترجاع في الذاكرة لمدى حاجتنا لمثل هذه البضاعة، ثم تضاف إليها خبرتنا حول نوعيتها وسعرها، كي نقرر عندئذ هن نشتري أم لا. إن عملية تحول البيانات إلى معرفة واتخاذ القرار قد يأخذ وقتا طويلا في بعض الحالاتن حسب ما تتطلب الظروف، كما في المثال السابق. لكن هناك حالات تتطلب من الشخص أن يتخذ قراره في ثوان معدودة، بناء على معلومات محددة يلتقطها بسرعة. فصوت منبه السيارة الذي نسمعه أثناء اجتيازنا للشارع يجعلنا نقفز بسرعة وننجو من حادث اصطدام قد يؤدي بنا إلى الموت، حيث يلتقط العقل هذه المعلومة ويتخذ قراره بالقفز خلال ثوان. إلا أنه إضافة إلى صوت منبه السيارة تتدخل في عملية الهروب والابتعاد من أمامها عوامل عدة، منها خبرتنا عن الحوادث المرتبطة بعمق تجاربنا الحياتية، ومفهوم الموت المتشكل لدينا بتأثير الأجواء الثقافية التي نعيشها، وردة الفعل الغريزية كخط دفاع أولي عن الحياة، وقدرتنا على التصرف أمام خيارات متعددة للهرب من الحادث بسرعة تعبيرا عن إحدى المجالات التطبيقية لفعل الذكاء لدينا. وهكذا يتعامل العقل مه هذه العوامل جميعها في الوقت نفسه، لأن القرار لا ينتظر سوى لحظات معدودة للنجاة. وفي حال تعرضنا للحادث رغم سماعنا لصوت المنبه فإن هذا يعود إلى خلل في إحدى العمليات العقلية المذكورة إعلاه، كما تتدخل فيه أيضا فجائية العامل الخارجي، كالسرعة الزائدة للسيارة التي لا تعطي مجالأ واسا للتكيف مع ظرف طارئ. ومن الواضح أنه لا تعنينا هنا جميع منبهات السيارات الأخرى ما دمنا نسيرعلى الرصيف ونعرف قانوننا الصنعي: الطريق للمركبات والرصيف للمشاة، واجتياز الشارع يتم عبر ممرات خاصة للمشاة. ولكن الأمور لا تقف عند هذا الدرجة العالية من الحدية في الاختيار، أي إما أننا نهتم ببيان صوتي ما ونحوله إلى معلومة نستفيد منها أو أننا نشعر باللامبالاة الكاملة إزاءه رغم إحساسنا الدائم بوجوده. ينفصل بيان صوتي من سلسلته في خليفة الأجواء الصوتية المحيطة بنا، ليثير لدينا صورة داخلية أو ذكرى أو انفعالا ما، بالفرح أو الحزن والحنين، حيث يكون لهذا الصوت ارتباط ما باللاشعور الفردي أو بالتجربة الشخصية. إن تحول الصوت إلى محرض، إضافة إلى المعنى الذي يحمله، يعني أنه يعمل في اتجاهين من جهة نظر وظيفية، المعنى والإثارة المحمولة. وإذا كان من الممكن أ يحمل معنى صوت من الأصوات بصمة جماعية في إدراكه فإن الإثارة المحمولة المرتبطة به هي إثارة فردية وشخصية حتما. فصوت لحن موسيقي أو صوت طائر يمكن أن يبقي بالمعنى نفسه عند مجموعة أفراد. ولكن يمكن أن يثير أحدهما لدى شخص ما ذكريات ترتبط بالطفولة، أو تعيد إلى ذاكرته مثلأ صورا مليئة بالأحاسيس والحنين إلى الماضي. ومن المعروف أن لمثل هذه الشاعر تأثيرا على اتخاذ قراراتنا، وهو ما يختلف عندم نعيش في أجواء شاعرية أو في أجواء طبيعية قاسية. واتخاذنا لخيار ما في إحدى القضايا يختلف في اتزانه فيما لو كنا في حالة غضب عما لو كنا في حالة هدوء وسكينة، وحديثنا إلى شخص في جو من العدائية يختلف عما لو كان هذا الحديث يدور في جو من الحميمية. إن تقديمنا للبيانات الصوتية يعد مثالا تطبيقيا، لفهم أفضل حول كيفية اكتساب العقل للمعلومات وتشكيله المعرفة. لكن الإنسان في الواقع لا يتعرض فقط لبيانات صوتية يتلقاها عن طريق حاسة السمع، بل تتداخل عادة البيانات السمعية والبصرية واللمسية والشمية التي يتلقاها عن طريق حواسه مجتمعة، لتنتج لديه مجموعة معلومات مركبة تسهم في إنشاء معرفته حول موضوع ما. إلا أن البيانات البصرية بدأت تجتاح حياتنا المعاصرة بكثافة وقوة، إما بطريقة مستقلة أو متراكبة مع بيانات أخرى. وبعيدا عن صور الأحلام وأحلام اليقة في عالمنا الداخلي، وبعيدا عن الرؤى الأفلاطونية حول الصورة والمثال، بمعنى أن كل ما هو موجودة في الكون صورة لمثال أعلى في عالم الميتافيزيقيا، فإن ما نقصده بالصورة حاليا هو عالم الرسوم واللوحات التشكيلية والصور الفوتوغرافية والصور الإلكترونية ضمن أنظمتها السمعية- البصرية بأنواعها المختلفة، والتي تحيط بنا أكثر فأكثر. وتزداد أهمية عالم الصورة هذا لا لكونه يملأ المساحات كلها أمام أعيننا وبشكل مستمر فقط بل لأنه يغرينا أيضا،ويقوم باستلابنا وتكييفنا لرغباته وأهدافه المستترة. فمثلما هو الحال في الؤثرات الصوتية فإن الاستلاب لا ينحصر بالمعنى المرتبط بالصورة فقط، وإنما يتعلق أيضا وإلى درجة كبيرة بالتأثيرات والمحرضات والأفكار التي يمكن تحميلها للصورة من خارجها، لتصبح أداة نقل وتحريض أكثر من كونها حاملة معنى. تنبع الأهمية التي نعطيها للمعلومات بأشكالها كافة، سواء أكانت مرتبطة بمعنى أو كانت ناقلة للمحرضات، من كونها تشكل الأرضية الداعمة لتكوين البنى المعرفية لدى الفرد. وقد أصبحنا الآن نفهم يمارسه شخص محدد، مما يؤكد على أهمية الطابع الفردي في الاكتساب المعلوماتي، المرتبط بإدراك المعنى وفهمه وتحويله بالتالي إلى معرفة فرديةز وتتأكد هذه المعرفة الفردية أيضا بسبب كون المحرضات نفسها تترك تأثيرات مختلفة لدى الأفراد، وذلك حسب ما تحرض لدى كل منهم داخل المخزون الشعوري واللاشعوري من الذكريات والخبرات المكتسبة. في حين أن انعكاس هذه المعرفة الفردية في الإدراك والفعل لا يمنع من انتظامها وتأطيرها في فضاءات المفاهيم الجماعية مع الحفاظ على تمايزها. والواقع أنه بناء عل هذه التمايز المعرفي الفردي في إطار المفهوم الإنساني الشامل للمعرفة بدأنا نفسر حديثا الكثير من الظواهر التقليدية في حياتنا المعاصرة برؤى جديدة مغايرة لما سبق أن اعتدنا عليه، وعلى سبيل المثال رؤيتنا لحياة النصوص الإبداعية وظاهرة قراءتها. فمن الناحية التقليدية كان هناك دائما فهم واحد محدد للنص مرتبط برؤية مبدعه، يسعى القراء إلى إدراكه واكتشاف أبعاده ودلالاته. أما الآن فينظر إلى الكتابة على أنها منظومة من العلامات وضعت وفق قواعد ثابتة مرتبطة بإنشاء لغة ما، إلا أنها تبقى مجرد إشارات إذا لم يحيها قارئ يفك رموزها ويكشف عن معناها من خلال إدراكه وفهمه لها، أي من خلال معرفته الخاصة بها. ويعني هذا تشكل رؤية وفهم جديدين لنص المبدع من خلال القارئ، وستتعدد بالتالي إدراكات النص بتعدد القراءات له. ولا نقصد هنا بالتأكيد تعدد الإدراكات للنص الواحد بتعدد الأفراد الذين يقرؤونه فقط، بل يدخل ضمنها أيضا تعدد قراءات الفرد الواحد للنص نفسه. فمعرفة الفرد متغيرة ومتبدلة دوما مع الزمن وبتأثير الأجواء المحيطة به، ومن خلال تطور حياته وتفاعله المستمر مع مجريات الحياة اليومية. إن سيرورة الحياة الجدالية المرتبطة بإنتاج المعرفة تتفاعل بعمق مع حركة الأفراد، سواء في عوالمهم الداخلية أو في مجتمعاتهم. والحقيقة أن هذه السيرورة لا تأخذ معناها من دون الإنسان، فهو يظل مركزها والمنظور الذي يتم من خلاله فهم حركتها، كما أنها تبقى شيئا مجردا دون مقابل واقعي لها يتمثل في فعل الإنسان وخياره. ونحن نتخلى الآن عن المفاهيم والرؤى القديمة المتكونة أصلا في إطار الثورة الصناعية، والتي ترى أن رأس ما المجتمعات يكمن في الثروات الطبيعية الخام، ومع دخولنا عصر المعلومات والاتصالات بدأنا نتحدث عن المعلومات والمعرفة بأنهما رأس المال الجديد في حياتنا العاصرة. ولكن بدلا من الحديث المباشر عن المعلومات والمعرفة فمن الأحرى القول بأن الإنسان الذي يكتسب المعلومات وينيج المعرفة هو الرأسمال الجديد للمجتمعات المعاصرة، وبالتأكيد فإن رأس المال الإنساني هذا ليس شيئا جديدا مكتشفا حديثا، فهو موجود دائما خلال المسيرة الحضارية للإنسان، ألا أن الجدة فيه تأتي من خلال تغير النظرة إليه، من حيث ارتباطه بسيرورة الاكتساب المعلوماتي والإنتاج المعرفي بمركزيتها الإنسانية، وهو ما يميز عصرنا الحديث. فالمهم بالنتيجة هو فاعلية الإنسان في المجتمع كانعكاس لمعرفة المرتكزة على اكتسابه للمعلومات، أما البيانات والمعلومات المخزنة داخل أدوات فلا معنى لها دون هذه الفاعلية. إن البياناتوالمعلومات تحاصرنا في محيطنا اليومي بوفرة وكثافة غزيرة تصل غلى حد خلق الشواش داخلنا، ولا يستثنى منها المعلومات المنظمة بهدف محدد لنا. وهذه الغزارة في المجالات كلها هي التي تزيد إرباكنا في التعامل معها على الرغم من هدفيتها الواضحة. ويستطيع الحاسوب التعامل مع هذا الكم الكبير من المعلومات بتنظيمها، إلا أن فعل الاختيار النوعي بين عدد كبير جدا من الحلول الصالحة نظريا لحل مشكلة ما لا يقوم به إلا العقل عبر شبكته القيمية الواسعة بما يتناسب مع واقع عملي محدد. إن عملية الاختيار النوعي للعقل بحسبه الإنساني هو ما يميز الفعل المعرفي للإنسان عن التركيبات المعلوماتية للحاسوب. فالحاسوب يتعامل مع البيانات والمعلومات، في حين يتعامل العقل مع المعرفة، ومن هنا تأتي قيمة الإنسان. ولهذا لا يمكن مقارنة الحصول على معلومات مخزنة ومنظمة من الحاسوب بأهمية التعامل مع معرفة خبير في المجال الذي تدور حوله هذه المعلومات. ولكن لا يكفي التعامل مع هذا الخبير مباشرة دون خلق أجواء مناسبة قادرة على تحريض قدراته ونشاطه الإبداعي، أي وضع هذا الخبير في إطار ثقافة العمل المناسبة. ونحن نعرف الآن أهمية الأجواء الثقافية وظواهرها على النتائج المعرفي، لكن التأكيد على ثقافة العمل المناسبة هو التأكيد على عامل حاسم بخصوص الاستفادة الفعالة من إمكانيات أي خبير أو مختص في مجال من مجالات العمل. | |
|