THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 40 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: بين ثقافة الكلمة.. وثقافة الصورة السبت نوفمبر 01, 2008 8:18 pm | |
| بين ثقافة الكلمة.. وثقافة الصورة محمد سبيلا منذ اختراع التيلفزيون والسينما وتطور الوسائل السمعية البصرية بدأ يتبلور نوع من الصراع بين ثقافتين متباينتين:ثقافة الكلمة وثقافة الصورة. ثقافة الكلمة هي ثقافة النخبة، ثقافة العقل (أو على الأقل الذهن بأساليبه الاستدلالية )، في حين أن ثقافة الصورة هي ثقافة الجمهور أو العمود الفقري للثقافة الجماهيرية، كما أنها ثقافة الوجدان والانفعال والغرائز. ومبدئيا نقول إن ثقافة الكلمة هي امتداد للاستدلال العقلي، وإن ثقافة الصورة امتداد للإدراك البصري. وعندما نستخدم كلمة ثقافة هنا، فذلك للإشارة إلى البون الشاسع بين نوعين مختلفين من الآليات المعرفية، ومن طرق إدراك العالم، حتى ولو كانت وسائل الإعلام والتواصل الحديثة تحاول الجمع بين الثقافتين أو تطعيم الصورة بلقاحات من ثقافة الكلمة. والصورة على العموم، التي هي عماد وقوام ثقافة الصورة، كيان مرجعي قائم الذات، وممتد على نفسه، كأنه هدف في ذاته لا يحيل على شيء آخر. الصورة هي الغاية والمنتهى، هي البديل عن العالم أو قائم مقام العالم العيني، بل إن الصورة توهمنا بأنها هي الواقع العيني ذاته، هذا العالم بخدعة خادع، هو الذي ينتقل إلينا، في بيوتنا، في حميميتنا في عقر دارنا، بل في غرفة نومنا. ولا تكتفي الصورة بأن توحي لنا بأنها هي الواقع الحق، وأن الواقع العيني لا يعدو أن يكون هباء وسيدا بالقياس إليها، ولا تكتفي بتحويل ذاتها إلى أقنوم مرجعي يحمل دلالته في ذاته لابالقياس إلى شيء آخر، ولاتكتفي ببراعة الانتقال إلينا والتسرب إلى بيوتنا والاستقرار في شبكتنا، بل إنها، على المستوى المعرفي، تخدعنا عندما ما توحي لنا بأنها هي العلم عينه والمعرفة عينها والثقافة ذاتها. إنها تطابق وتجعلنا نطابق بسهولة بين الخبر والعلم، بين المشاهدة والمعرفة. أما الكلمة فهي تنتمي وجوديا ومعرفيا إلى نظام آخر. الكلمة على العموم أداة ووسيلة أو رمز دال Signifiant . وهذا الدال عند تآلفه مع مجموعة دوال أخرى، يطلق في ذهننا آلية تفكير: أي آلة مقارنة وحكم واستخلاص، ولنقل آلية تأويل. وإذا كانت الصورة مبنية إلى المشخص Concert والملموس فإن الكلمة مرتبطة بقدر من التجريد وبمستوى من التعميم. وإذا أردنا استخدام مصطلحات كانطية قلنا إن الصورة التي يحملها إلينا التيلفزيون أقرب إلى الحساسية ومقولتيها: المكان والزمان، في حين أن الكلمة أقرب إلى نظام الفاهمة أو الذهن entendement الذي يعمد إلى استخدام قوانين عقلية ومنطقية: الهوية العلمية، الكمية، الكيفية، العلاقة. فالكلمات، سواء كرموز مكتوبة أو كرموز منطوقة، تنتمي إلى جهاز زمزي إحالي، يعتمد التأويل، أي تشغيل الآليات الذهنية من خلال قدر معين من التجريد. وبهذا المعنى فالصورة، ببهائها وألوانها الزاهية، لا تتطلب مجهودا كبيرا في التلقي خارج مجهود التركيز على التسلسل الزمني والمكاني. فالصورة ذات بعد هيدوني لذي بل إيروتيكي (شبقي). إنها جذابة، مغرية، توحي بالاسترخاء ومتعة التلقي. فرسالتها متضمنة فيها أو قل الصورة هي ورسالتها نفس الشيء. أما الكلمة فتتطلب قدرا من العناء. والنص، على العموم، من حيث هو متوالية كلمات، يتطلب تفكيك العلاقات القائمة بين الكلمات. الصورة تعطي دفعة واحدة بينما تقدم الكلمة نفسها على هيأة سلسلة متلاحقة من الصويتات (الفونيمات) والمورفيمات والوحدات الدلالية، والجمل والفقرات. لذلك يكون وقع الصورة أقوى من وقع الكلمات. كانت الكلمات أداة تعبئة وحفز (إما على الموت_ في الحرب_ أو على الحياة). لكن التلفزيون اليوم هو المحرض الأكبر إما على الثورة (مثال رومانيا) أو على الاستهلاك والتمعة (الإشهار) أو الأداة الكبرى للتخدير السياسي في كل بقاع العالم. فالفكرة على العموم قاتمة، والنص أشبه ما يكون بشبكة عنكبوت من العلاقات الرمادية. إن الفكرة غير ملونة وعسيرة في حين أن الصورة ملونة، جذابة ومغرية. ومن يمتلك اليوم سلطة الصورة سيصبح دون منازع هو مالك السلطة، أو كما يقال ريجيس دوبريه فإن سيد الصورة هو سيد البلاد. وبذلك تكون الأزمنة المعاصرة هي أزمنة حكم الصورة أو سلطة التلفزة ضمن هذا العصر الجديد، الذي أطلق عليه دوبريه نفسه عصر الفيديو سفير، الممتد من اختراع التلفزة الملونة إلى الآن. طغيان الصورة في الثقافة الجماهيرية المعاصرة هو طغيان الشكل على المضمون أو تحول أصبحت الأشكال إلى مضامين. والثقافة التي تفرضها الصورة هي ثقافة أشكال ورموز، ثقافة سطوح أصبحت أعماقا. إنها ثقافة ثنايا انبسطت، وبواطن تمظهرت، وأعماق تسطحت. ثقافة تختلف نوعيا عن ثقافة الكلمة أو ثقافة اللوغوسفير حسب التصنيف التاريخي الذي قدمه دوبريه في كتابه حياة الصورة وموتها من حيث أنها تلغي التقابلات والثنائيات القديمة لتحل محلها محددات وجيدة، نحن اليوم جميعا مدعوون إلى الوعي بها، مادامت تداهمنا في كل آن وفي كل مكان. | |
|