منتدى الشاب المعاصر الجديد
منتدياتنا ترحب بكم أجمل ترحيب ونتمنى لكم وقتاً سعيداً مليئاً بالحب
كما يحبه الله ويرضاهفأهلاً بكم في منتدانا المميز و الجميلونرجوا أن
تفيدم وتستفيدم منـا و أن تصبحوا أفرادا من أسرتنا .
منتدى الشاب المعاصر الجديد
منتدياتنا ترحب بكم أجمل ترحيب ونتمنى لكم وقتاً سعيداً مليئاً بالحب
كما يحبه الله ويرضاهفأهلاً بكم في منتدانا المميز و الجميلونرجوا أن
تفيدم وتستفيدم منـا و أن تصبحوا أفرادا من أسرتنا .
منتدى الشاب المعاصر الجديد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشاب المعاصر الجديد

ثقافة و فن ودين وكل ما يخص تكنولوجيا النجاح في الحياة بالإضافة إلى كم هائل من البرامج الجديدة و النادرة و برامج الهاكر و الاختراق الكتب الإلكترونية و جديد الأفلام و المسلسلات العربية و الأجنبية و الأنمي و المانجا اليابانية و الدرامة الآسيوية و الموسيقى
 
الرئيسيةPortal 1أحدث الصورالتسجيلدخول
أفضل الحكم العالمية والعصرية عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها" 1- لا يحزنك إنك فشلت مادمت تحاول الوقوف على قدميك من جديد 2- كلما ازدادت ثقافة المرء ازداد بؤسه 3- سأل الممكن المستحيل : أين تقيم ؟ فأجابه في أحلام العاجز 4- إن بيتا يخلو من كتاب هو بيت بلا روح 5- الألقاب ليست سوى وسام للحمقى والرجال العظام ليسوا بحاجة لغير اسمهم 6- إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة 7- إن أسوأ ما يصيب الإنسان أن يكون بلا عمل أو حب 8- الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف 9- لا تفكر في المفقود حتى لا تفقد الموجود 10- الخبرة .. هي المشط الذي تعطيك إياه الحياة .. عندما تكون قد فقدتَ شعرك 11- المال خادمٌ جيد .. لكنه سيدٌ فاسد 12- عظَمة عقلك تخلق لك الحساد .. وعظَمة قلبك تخلق لك الأصدقاء 13- دقيقة الألم ساعة .. وساعة اللذة دقيقة 14- لا داعى للخوف من صوت الرصاص .. فالرصاصة التى تقتلك لن تسمع صوتها 15- إذا أردت أن تفهم حقيقة المرأة فانظر إليها وأنت مغمض العينين 16- من يقع فى خطأ فهو إنسان ومن يصر عليه فهو شيطان. 17- عندما يمدح الناس شخصاً ، قليلون يصدقون ذلك وعندما يذمونه فالجميع يصدقون.18-  لا يوجد رجل فاشل ولكن يوجد رجل بدأ من القاع وبقى فيه. 19- لو امتنع الناس عن التحدث عن أنفسهم وتناوُل الغير بالسوء لأصيب الغالبية الكبرى من البشر بالبكم. 20- الطفل يلهو بالحياة صغيراً دون أن تعلمه أنها سوف تلعب به كبيراً. 21- يشعر بالسعادة من يغسل وجهه من الهموم ورأسه من المشاغل وجسده من الأوجاع. 22- حسن الخلق يستر كثيراً من السيئات كما أن سوء الخلق يغطى كثيراً من الحسنات. 23- يسخر من الجروح كل من لا يعرف الألم

 

 رحلة كل شاب إلى التديّن الصحيح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
THF
Admin
Admin
THF


ذكر
الميزان عدد الرسائل : 4613
تاريخ الميلاد : 11/10/1984
العمر : 39
البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro
العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI
المزاج : في قمة السعادة
السٌّمعَة : 5
نقاط : 2147483647
تاريخ التسجيل : 16/08/2008

رحلة كل شاب إلى التديّن الصحيح Empty
مُساهمةموضوع: رحلة كل شاب إلى التديّن الصحيح   رحلة كل شاب إلى التديّن الصحيح Icon_minitimeالأربعاء مايو 18, 2011 2:35 pm

رحلة كل شاب إلى التديّن الصحيح

رحلة كل شاب إلى التديّن الصحيح 185011
- أسئلة البلوغ:
ما هذا التغيّر الحاصل في جسدي ومشاعري؟ ما هذا التطوّر الجديد الذي طرأ
على حياتي؟ هل فجائي أتاني هكذا مرّة واحدة من دون سابق إنذار؟ هل هو قفزة
في الفراغ؟ أم أنّه كان يمشي في جسدي قبل ذلك حتى وصل إلى هذه المحطّة؟!
إذا كان مفاجئاً.. فمَن الذي كبسّ الزرّ في جسدي ليتحوّل – على حين غرّة – إلى (جسد ناضج) أو جسد آخر غير جسد الطّفل الذي كُنته؟!
ما هذه العلامات أو الأجراس التي راحت تدقُّ في جسدي وفي عقلي وفي مُخيّلتي
لترهف مشاعري أكثر، ومنذرةً أنّني أصبحتُ شخصاً آخر؟ تُرى مَن دقّها؟ أو
مَن وقّتها لتدقّ في هذه المرحلة أو هذا الفصل؟!
مَن غرسَ الذكورة في تُربة طفولتي ولم تكن من قبل.. مَن أودعَ الأنوثة في جسدي الصبياني ولم أكن قد أدخلتُ إليه ما يعدّه لذلك؟
(حيائي).. (خجلي).. انشدادي إلى الجنس الآخر.. إحساسي بمسؤوليّتي.. هذا
التحوّل الجذري من أين أتى؟ مَن الذي أوعزَ إلى مشاعري لكي تتحفّز لهذه
الطائفة الجديدة من المشاعر؟ مَن هذا الذي لم نكنه فكنّاه؟!
هذه الورشة النشيطة في جسدي مَن نصبها في هذا الوقت لتعمل عملها المتقن في
تحويلي من (طفل) إلى (رجل)، ومن (صبيّة) إلى (فتاة).. هل هو: بابا؟! هل هي:
ماما؟! هل هو شخص من الخارج؟ كيف كان ذلك، ومتى حصل؟ كيف أنّني لم أعرف
به؟!
لا أتذكّر إطلاقاً أن أحداً استأذنني في ذلك.. ولم أشعر أنّ أحداً تسلّل
إليَّ في غفلةٍ منِّي ليصنع بي كلّ ما صنع، ثمّ أنّني في حيرة: هل الذي
حصلَ، حصلَ بشكلٍ ارتجالي: بدون مقدّمات وبلا إيعازات وبدون خطّة معدّة
سلفاً؟!
لا أدري. ما أدريه شيء واحد فقط أنّ الذي فعل ذلك ليس بليداً.. إنّه عاقل
وعاقل جدّاً.. يبدو لي أنّ جهاز سيطرتي (الرموت كنترول) بيده.. هو الذي
(يبرمجني).. هو الذي يرسم لي دوري ويحدِّد لي مرحلتي.. وما دام كذلك فهذا
يعني أنّ نهايتي بيده أيضاً.
يدٌ خفيّةٌ ترتِّب لي حياتي، وتؤثِّثها بما يناسبها من غير أن يكون لي، أنا
صاحب الشأن أو القضيّة أدنى يدٌ في الموضوع.. يدٌ لا أستطيع أن أمنعها أو
أوقفها أو أرفضها.. يدٌ هي أكبر من منعي ومن إيقافي ومن رفضي..
عمليّة النموّ التي تشهدها شجرتي أنا سعيدٌ بها.. لستُ قلقاً منها، لكنّها
داخليّة بحتة.. ليس لأحدٍ من الخارج يدٌ في إحداثها، ولو كان هناك ما يمكن
لي أن أسمِّيه الشخص (X) أو العامل (X)، لأفتخر بذلك افتخاراً عظيماً،
ولامتلأت الشاشات والصفحات بتصريحاته المتباهية: أنا الذي صنعتُ ذلك! لكنّ
شيئاً من هذا لم يحصل، ممّا يؤكِّد نظريتي أنّ العملية داخلية وباطنية
بحتة.
تجربتي الحياتية – على تواضعها – تقول: أيّ تطوّر يحصل في أيّ شيء في
الحياة لابدّ له من (مقدّمات) أو ممهِّدات، ولابدّ له كذلك من (إمكانات) أي
أفكار، وإرادة، وتعبير عن إرادة.
مرّة أخرى، هل كان بإمكاني أن أرفض هذه التطوّرات التي دخلت إلى بيتي بدون
إذني؟ أعتقد أنّه باتَ عليَّ أن أصحِّح العبارة: إنّها ليست عملية سطو أو
تسلّل.. إنّها كما يقول معلِّم العلوم الطبيعية – تفاعلات داخليّة – لسبب
واضح وبسيط لأنّ الذي عمل ذلك لم يسألني: هل تريد أن تبقى طفلاً إلى الأبد؟
أم تريد أن تصبح رجلاً أو امرأة؟
ما يشغلني الآن ليس السؤال: كيف جرى ما جرى؟ فلقد مالت نفسي إلى أنّني مهما
كنتُ (يقظاً) فإنّني لم أستطع أن أوقف أو أمنع الذي (أُيقظ) في داخلي ذلك
كلّه؟
ما يشغلني حقّاً هو أنّني أراقب مشاهد التحوّل كمَن يراقب فنّاناً مبدعاً
هو يُنجر لوحة من أفخم لوحاته.. مدهوشاً.. مأخوذاً بكلِّ ضربة ريشة..
وبكلِّ لمسة فنِّيّة.. وبكل اختيار دقيق لكلِّ لون. ولكلِّ ظلّ.. عيناي إلى
الآن هناك مسمّرتان على اللّوحة.. وإذا تحرّكنا فمع حركة هذا المبدع الذي
يضع لمساته وبصماته في مواضعها الدقيقة فكأنّه يركِّب قطع المكعّبات كلّاً
في مكانها المعدّة له.. ليظهر الشكل النهائي المتناسق الجميل.
لكنّ حركة الأسئلة في رأسي لم تتوقّف:
أجهزتي الدقيقة المصنوعة بدقّة متناهية، ليس في كلّ ورشات العالم، أرقاها
وأحدثها، ما يمكنهُ أن يصنع قطعة منها، فضلاً عن جهاز كامل.. مَن تُرى صنع
هذه الأجهزة بهذه الدقّة؟ ومَن ركّبها في هذا التناسق المتناغم الحلو
الجميل، الذي يعمل بشكل تكامليّ وكأنّه سمفونيّة مؤتلفة النغمات؟!
باغتَني سؤال آخر: حتى ولو كان هناك مصنع مستقبلي فريد ومُفترَض قادر على
تصنيع هكذا أجهزة.. تُرى: أفكاري.. مشاعري.. أحلامي.. تصوّراتي..
إلهاماتي.. إرادتي.. رغباتي.. إنطباعاتي.. بل ونموّ كلّ ذلك، مَن يقدر على
إيداعها في تلك الأجهزة..؟ ومَن يستطيع أن يُنظِّم حركة سيرها بهذا النظام
الدقيق؟!
"الإنساني الآليّ"؟
إنّه من أسلاك وحديد.. إنّه مُقلِّد.. إنّه من صناعة الإنسان نفسه، فمهما
أرتقى فسوف لن يكون إنساناً كاملاً، فحتّى لا يكون إنساناً يجب أن يكون من
صنع ما هو أكبر.
وبينما أتذكّر الإنسان الآليّ، خطرَ لي سؤال: إنّه يقوم ببعض الفعاليات (ببرمجة) خاصّة.. هل أنا (مبمرجٌ) مثله؟!
ما يحصل لي – بدون إرادتي وتدخّلي – يشير إلى أنّ شيئاً ما يشبه البرمجة
موجود في داخلي.. وإذن فهناك مَن بيده (مفاتيحي) و(أزراري) بل وأسراري
أيضاً. هل إنكاري لذلك ينفعني في شيء؟
الإنكار سوف لن يلغي أو ينفي حقائقي الداخليّة.. هي موجودة وثابتة ومعتبرة أيضاً.
وعدتُ إلى (مَرسمي) الداخليّ.. أتأمّل لوحاته..
أجهزتي الباطنية: القلب.. الرئتان.. الكبد.. المعدة.. الأمعاء، لم أرها،
لكنّني أشعر بها، وإذا حصل ألم في أحدها أستطيع أن أشخِّصه للطّبيب عندما
يسألني: أين يؤلمك؟
عندما أقول له: قلبي، معدتي أو رئتي، أنا أؤشِّر له على موضع الألم، لكنني لم أرَ قلبي ولا معدتي ولا رئتي..
وحينما أذهب إلى عيادة الطبيب النفساني لأشتكي قلقي او كآبتي أو توتّر
أعصابي، فإنِّي لم أرَ تلك الأعصاب المشدودة لكنّني أعترف بوجودها.. وإلّا
كيف أقول له: إنّ أعصابي مرهقة.. أو تالفة.. أو مشدودة؟!
الطبيب نفسه حينما يضع سمّاعته على صدري أو ظهري أو بطني.. إلى ماذا يستمع؟
إنّ للألم الداخلي إشارات يمكنه أن يلتقطها وإن لم يكن يراها بعينه، ولذلك
يقول لي: يجب أن تُعالج: أعصابك.. خلاياك.. دمك.. عظامك.. معدتك..
اليوم جاءت أجهزة الاختبار والأشعة لتريني ما لم أره، ولتقول لي: ما كنت
تشعر وتعتقد بوجوده ولم تره بإمكانك أن تراه على جهاز أو شاشة..
الجديد هنا.. زاد في اطمئناني ولم يخلق لي الاطمئنان، لأنّني أتحدّث مع
الطبيب قبل الأشعّة وأجهزة التصوير المباشر بثقة عن إحساساتي الداخليّة،
ولذلك فلو شرّحوا جسمي لما ازددتُ يقيناً أنّ ما أراه بعيني هو ما كنتُ
أراه بعينيّ إحساسي ومشاعري، لأنّني لم أشكّ للحظة أنّ (قلبي) ينبض.. وأنّ
أعصابي تتحسّن، وأنّ دمائي تجري.. وأنّ غُددي تفرز.. وأنّ روحي تستقبل
الفرح فتفرح.. وتستقبل الحزن فتحزن..
نعم.. المعرفة دلّتني – بشكل تفصيلي – على ما كنتُ أعرفهُ بشكل إجمالي!
- كيف أعبدُ ربّاً لا أراه؟!
طلب أحدهم من ربِّه أن يريه نفسه؟
الله لم يستنكر ولم يستكثر عليه الطّلب، ولكنّه صحّح له المفهوم، قال له:
إنّ الشيء الذي يُرى أو يمكن رؤيته هو الشيء المادِّيّ المحسوس المجسّد
الذي تبصره العين فتعترف بوجوده كالجبل مثلاً.
وقال له الربّ أيضاً: أنا لستُ بجسد حتى تراني، لستُ شيئاً من الأشياء حتى
تبصرني، ولكنّني سأقدِّم لك الدليل على أنّني موجود وبإمكانك أن تراني من
خلال فعلي أو عملي، وليس من خلال شخصي لأنّني لستُ شخصاً مثلك.
قال الربّ للسائل: أنظر إلى هذا الجبل الذي أمامك؟ فنظر إليه السائل، فإذا
هو جبل شاهق كبقيّة الجبال من أحجار وصخور.. وقال له الربّ: سأزلزل هذا
الجبل وأزيحه عن مكانه، وبالفعل حصل ما وعد به الربّ.. تلفّت السائل أو
الطالب أن يرى الله يمنةً ويسرةً وفي كلِّ اتجاه، فلم يجد أحداً يهرب، أو
يختبئ بين الجبال، ونظر إلى الجبال الأخرى، فإذا هي صامدة وصامتة وثابتة في
أماكنها لم تتحرّك.. مَن الذي فعلها؟!
بعد فترة عاد الجبلُ إلى مكانه مزروعاً وكأنّه لم يبرح مكانه؟
هل الذي فعل ذلك ساحر؟
هل بقدرة ساحر – مهما كانت قدرته على السحر – أن يزيل جبلاً ثمّ يرجعه إلى مكانه؟ لم أسمع عن ساحر مثل هذا.
فكّر السائل في نفسه مليّاً، وقال: أنا لا أستطيع أن أرى (الصانع) بشخصه لكنّني أستطيع أن أراه بـ (مصنوعاته).
غرفةُ المكتبة التي تجلس فيها الآن.. هل أنت وحدك الجالس فيها؟ كلّا. هناك
كثيرون غيرك يجالسونك فيها!.. إنّهم مؤلِّفو هذه الكتب! فأنت تعتقد بوجودهم
من خلال كتبهم ومؤلّفاتهم وإن كنت لم تتشرّف بمعرفتهم شخصياً.. والنجّار
صانع المكتبة، ربّما صنعها قبل أن تولد، لكنّك تؤمن بأنّ نجّاراً ما دخل
هذه الغرفة ذاتَ يوم وصنع المكتبة.. والمصباح المعلّق أو الآخر الذي إلى
جوارك.. تعرف أنّ عاملاً أو أكثر من عامل في مصنع ما صنعوا هذين المصباحين،
ولم ترَ العمّال ولم ترَ المصنع، واللّوحة المعلّقة أمامك على الجدار تجزم
أنّ رسّاماً ما رسمها وهو موجود معك من خلال تحفته الفنّية، والساعة التي
على الجدار، والحاسوب الجالس على الطاولة. والسجّادة التي تفترش الأرض..
إذن أنتَ وحدكَ هنا، هؤلاء شركاؤك في الغرفة رغم أنّك لم ترَ أحداً منهم.
شخصٌ آخر كان يعرفُ أنّ الله يُحيي ويُميت، لكنّه لم يكن تصوّر كيفيّة إحياء الموتى، فطلب من ربِّه أن يريه كيف يُحيي الموتى؟
مرّة أخرى، لم يرفض الربّ الطّلب ولم يستنكره ولم يستكثره، لكنّه سأل الطالب:
ألم تقل لي أنّك مؤمن بي؟!
قال له: نعم.
قال الربّ: فما حاجتك إلى الاثباتات؟
قال السائل: ليطمئنّ قلبي أكثر، وترتاح نفسي لما تراه عيني.
قال الربّ: أدخل المختبر وأجرِ التجربة التالية: هاتَ أربعة طيور واذبحها
وقطِّعها قطعاً صغيرة.. واجعل كلّ قطعة في مكان منفصل، ثمّ اطلب منهنّ أن
يأتينك، وسأساعدك على هذا.
وحينما التئمت قطع اللّحم المتناثر والموزّع في أكثر من مكان لتعود أربعة
طيورٍ سالمةٍ، كما كانت قبل الذّبح والتقطيع، عرفَ السائلُ أنّ التجربة
أكبر برهان، فزادت في الإيمان وفي الاطمئنان. ولذلك فلسنا نتردّد في الردِّ
على مَن يسألنا: كيف تعبدون ربّاً لم تروه؟ وكيف نعبد ربّاً لم نره وهو في
كلّ شيء ومع كلّ شيء؟!
- المصمِّم واحد!
لم تنتهِ أسئلتي، وكم أشعر بالسعادة وأنا أكتشف الإجابات عنها في رحلة
التأمّل. لماذا كلّنا بعينين؟.. ولماذا لا يوجد مخلوق بشريّ بثلاثة أو
أربعة عيون؟ أو بثلاثة أو أربعة أيدي، أو خمسة أرجل أو عشرة أفواه؟!
يمكن أن يحصل هذا في أفلام الكارتون، لكن صورَ البشر التي شاهدتُها في متحف
التاريخ الطبيعي الذي زرناهُ في رحلة مدرسيّة، هيَ هيَ لم تتغيّر.. ملامح
الوجه أو محتوياته واحدة.. يبدو لي أنّ المصمِّم واحد.. فأنا أعرف من خلال
قراءاتي المتعدِّدة لمؤلِّف واحد، أسلوبه في العرض والكتابة حتى أنّه لم
يذكر اسمه على الكتاب، عرفته من خلال أسلوبه الإبداعيّ المميّز..
مصمِّم البشر والحيوانات واحد بلا شكّ، وطالما أنّه قد فعلها في القديم ولا
يزال يفعلها حتى اليوم، فهو إذن موجود وحيّ ومستمر ودائم وقادر وغير قابل
لأن يُقلّد في نفس صنعته من قِبَل المصانع الأخرى..
ومرّة أخرى أيضاً: (الإنسان الآليّ) ليس إنساناً.. ليس كائناً حيّاً.. ليس
ناطقاً يمكنه أن يُجري حواراً.. ليس عاقلاً يفكِّر.. ليس حسّاساً بحيث
يتألّم ويفرح، ليس متفاعلاً إلّا بحدود ضيِّقة.. لا ينام في الليل.. لا
يتزوّج! لا يدرس لينمِّي مهاراته ومعلوماته..؟؟!! وباختصار.. إنّه ليس
كأنا.
باطمئنان أقول لكم: إنّ (مصنعي) ليس على هذه الأرض.. فلقد سمعتُ بمصانع
السيارات والطائرات والبواخر والصواريخ والغوّاصات وأجهزة الاتصالات
والدُّمى المتحرِّكة (ذاتيّاً) بالكهرباء أو البطاريّة، أو بأيّة واسطة
أخرى، عن قُربٍ أو عن بُعد، لكنّني لم أسمع، بل وأشكر لمَن سمع أو شاهد هو
أن يخبرني لأطّلع على مصنع يصنع إنساناً مثلي، بل ولم أسمع بمصنعٍ يصنع
(قطع غياري)!
فإذا انكسرت يدي أو رجلي، ركّبوا لي ذراعاً اصطناعية أو ساقاً اصطناعية،
وإذا حصل عند شخص فشل كليوي تبرّع له شخص آخر بكلية.. وإذا نزف شديداً
احتاج إلى شخص آخر يتبرّع له بالدم، فليس هناك (مصنع للدم)، وإنّما هناك
(بنوك للدم) تأخذ منِّي ومن غيري لتعطيني وتعطي غيري عند الحاجة..
حتى الذي يثقل سمعه، فإنّهم لا يستبدلون أذنيه بأذان اصطناعيّة.. بل
بسمّاعة تزيد درجة استماعه للذبذبات الصوتية، أمّا الّذينَ شاخوا وسقطت
أسنانهم، فإنّ ما يسمّونه بـ الزراعة) هو في الحقيقة ليس أسناناً طبيعية،
وكذلك الّذينَ يتحدّثون عن زراعة جديدة في بشرة الرأس، بل بتحريض وتفعيل
وتنشيط الموجود منها فعلاً حتى تخرج فروة الرأس.. وأمّا زراعة الأعضاء
الأخرى، فقد تكون عملية (نقل) لأعضاء حيّة وليس صناعتها أو استحداثها، وحتى
إذا أخذوا خلايا من جسمي لتنميتها فهي منِّي وليست خارجة عنِّي.
هذه الجولة التشريحيّة في جسد الإنسان تُقدِّم لي جواباً عن سؤال: مَن صنعني؟!
أنا لا أتذكّر.. وحتى لو تذكّرتُ فإنّني لا أستطيع أن (أعوِّض) ما أفقده من
أعضائي، فلابدّ أن يكون هناك مصنع غير بشري يصنع البشر. ولم نسمع أنّ
أحداً قال: صنعتُ نفسي بنفسي إلّا على نحو المجاز، أي بذلتُ جهوداً في
تربية وتعليم نفسي لا بمعنى الخَلق والإيجاد والإنشاء.
إنّه المصنع الوحيد الفريد في العالم، بدليل أنّ (مصنوعاته) كلّها ذات مواصفات أساسية مشتركة..
هو غير مرئي.. لكنّني أستطيع أن أرى بوضوح بصماته على كلّ إنسان مثلي من
خلال هذه التركيبة المتناغمة لأعضاء الجسم وتفاعلاته وأدائه، وكما في حقل
التجارب، فإنّ العيِّنات كلّما ازدادت وتكاثرت وحملت نفس المواصفات
المتطابقة، دلّ ذلك على شيء واحد وهي أنّها محكومة بنظام واحد.
أسئلتي حول صانعي أفادتني في الخروج بالنتائج التالية:
1- هذا الصانع ليس له (نظير) في صناعته، وإلّا كان النظير أرانا ما صنع.
2- هذا الصانع ليس له (مساعد)، فهو قادر على أن يصنع من دون مساعدة أحد،
وإلّا كان هذا الأحد تبجّح وافتخر وتباهى علينا أنّه مساعد الصانع في
صناعته، ولم يُسجِّل التاريخ لأحدٍ هذا الشرف.
3- صناعتهُ (مُحكمة) و(مُتقنة) و(دقيقة) و(مُبدعة) وآية في الصّنع، بل تعجز
المصانع كلّها عن الإتيان بنموذج واحد من مصنوعاته أو قطعة منها.
4- كلّ قطعة في الجسد الإنسانيّ لها (وظيفتها) الخاصّة المستقلّة، ولها
(وظيفتها) العامّة المشتركة التي تعمل مع أجزاء الجسم الأخرى في إدارة حياة
الإنسان، ممّا يكشف أنّ قانونها أو نظامها الداخليّ مُصمّم لأداء هاتين
الوظيفتين المتلازمتين.
5- إنّ الذي يمتلك مثل هذا المصنع الفريد، هو الوحيد الذي يعرف (ما يُصلح)
مصنوعاته و (ما يفسدها) أو يتلفها، ألسنا نراجع المصنع الأمّ أو الشركة
الأمّ لإصلاح الخَلل أو العَطَلات الكبرى في سيّارةٍ أو جهاز؟!
- إنّه الله.. وهو على كلّ شيءٍ قدير!
القادر على خرق القوانين، وإيجاد قوانين جديدة، والقديم والجديد كلّه طَوْع
يديه، ورهنَ إشارته، وعلى أهبة الاستعداد والقول: "لبّيك" إذا قال له:
"كن" فيكون.. لا يمكن إلّا أن يكون سيِّد الكائنات وخالقها ومدبِّرها
ومصرِّف شؤونها..
فالذي يُخرج شخصاً من بطن الحوت سليماً مُعافى.. والذي يُخرج شخصاً من بطن
النار سالماً بلا حروق.. والذي يُنقذ شخصاً من بطن الطوفان.. والذي
يُسخِّرالرِّياح لشخصٍ تحمله أنّى يشاء وحيث يريد.. والذي يستطيع أن يجمع
لشخصٍ في ليلةٍ واحدة من الأحداث الضّخمة والعظيمة ما لا يتحمّله الزّمن
العادي.. والذي يمكِّن شخصاً من أن تبتلع عصاه أفاعي السّحرة.. قادرٌ على
كلّ شيء، ولا يُعجزه شيء، بل هو الوحيد صاحب المعجزات، ولولاه لما انبهر
الناس بمعجزة.. الذي يُمكِّن شخصاً من إحياء الموتى بإذنه..
والقادرُ على أن يبنى السّماوات الواسعات العريضات بلا أعمدة، وليس فيها
فطور، وأن يطويهنّ – عندما يريد – كما تُطوى الأوراق، والقادر على أن
ينوِّع في الخلق حتى ليتعذّر إحصاء ما في البرِّ والبحر والسّماء من
مخلوقاته، هو أهل القدرة، وصاحب القدرة، وهو كلّ القدرة.
إن الإنسان – أي إنسان – بطبيعته كونه ضعيفاً – مهما أوتي من قوّة – ميّال
إلى أهل القدرة والاقتدار والقوّة العظمى التي يستمدّ منها قوّة تضاف إلى
قوّته.
إنّ عيوننا لها مدى محدود من قوّة النظر والإبصار، ولأسماعنا كذلك، فنحن
إذا تحدّث إثنان في نفس الوقت لا نستطيع الاستماع إليهما معاً، بل حتى
عقولنا محدودة لا تعرف كلّ شيء، ولا تُدرك كلّ شيء، حتى أنّ كبار العلماء
يقولون أنّنا كلّما ازددنا معرفة إزددنا جهلاً أو شعوراً بأنّ ما نجهله
أكثر ممّا نعرفه.
إزاء هذه المحدوديّة.. كيف لي كإنسان ضعيف أن أستزيد قوّة، وأن أحصل على
قوّة إضافيّة لا يسعفني بها جسدي أو إمكاناتي الضيِّقة المحدودة؟
ربّما يخطر لي أن ألجأ إلى (المجهر) و(المرصد) لأرى أكثر من خلال
الميكروسكوب والتلّسكوب، إلّا أنّ هذه لها قدرات محدودة أيضاً، فالعلم يزيد
في قوّتنا لكنّه يضيف إليها إضافات نسبيّة محدودة أيضاً، ولا يستطيع أن
يعطينا أكثر ممّا لديه.
الارتباط بالقوّة العظمى.. القوّة المطلقة.. التي ليس فيها أدنى ضعف، بل هي
قوّة كلّها وهي القوّة المركزيّة التي تُغذِي وتموِّن محطّات القوّة
الأخرى، يعطينا الإحساس بالانفتاح على عالم غير الذي نضيق به أحياناً.
ألا ترى أنّك أحياناً تضيق بالمدينة، فتخرج إلى أحضان الطبيعة الفسيحة،
وأنّك وأنتَ في غرفتك المحدّدة المحدودة تُحلِّق بخيالك في عوالم لها أوّل
وليس لها آخر، وبعد أن ظنّ الإنسان أنّه اكتشف الأرض، أرسل مركباته
الفضائية ليستكشف الفضاء! إنّه يرفض الحدود ويأبى المحدوديّة.
جهة واحدة ووحيدة هي القادرة على أن تؤمِّن لك (سعةً) لا حدود لها، وفضاءات
لا انتهاء لها، وقدرات أكبر من المخزون لديك.. هي التي بيدها كلّ شيء.
دليل الإثبات على ذلك أنّ الّذينَ جرّبوا الانتساب أو الانتماء لتلك القوّة
حقّقوا كلّ ما يُريدون وشعروا بهذه الرّحابة الرّحيبة، والامتداد الذي لا
يقف عند حدّ.
- خدمة سيِّدين معاً!!
تصوّر أنّك (خادم) لسيِّدين معاً، وفي وقتٍ واحدٍ للخدمة، كعاملٍ في مصنعين
أو كنادلٍ في مطعمين، أو كموظّفٍ في دائرتين، أو كبنّاءٍ لبيتين، السيِّد
الأوّل يطلب منك شيئاً، والسيِّد الثاني يطلب منك شيئاً في نفس الوقت،
وربّما يطلب شيئاً معاكساً ومغايراً لما يطلبه الأوّل.. كيف تتصرّف؟ ماذا
تعمل في هذه الحالة، وكلّ سيِّد أو رئيس أو صاحب عمل يُريد منك إنجاز العمل
المراد منك دون أيّ تأخير ولا تقصير؟
إذا اعتذرتَ لأحدهما أو طلبتَ تأجيل خدمته، فلربّما طردكَ من العمل، أو
عاقبك. أو أنقصَ أجرك، وإذا كان بين السيِّدين خلاف أو عداوة أو تناقض،
فكيف تحلّ الإشكالية التي أوقعتَ نفسكَ فيها؟ خاصّة وأنّ كلّ سيِّد يعتبرك
مُلكه، أو تحت خدمته لوحده فقط، وهو إنّما وظّفكَ لديه على هذا الأساس
وبهذا الشّرط، فأيّ عمل آخر يوازي عملك يُعتبر خرقاً للشرط ونقصاً للتعهّد
أو العقد، وبالتالي فأنتَ مُعرّض للطّرد من نعمة أو رحمة السيِّد.
لابدّ والحالةُ هذه أن تحسم أمرك لتختار أحد السيِّدين؛ لأنّك بحاجة إلى
الأجر والدّعم والمساندة ولا تريد أن تبقى عاطلاً عن العمل، وحين تصل إلى
مُفترَق الطّرق لتختار وتُقرِّر، فإن عقلكَ وتجربتكَ يقولان لكَ إختَر
أكثرهما قدرة، وأكثرهما غنى، وأكثرهما حبّاً لك وتقديراً لجهودك؛ وأكثرهما
حمايةً ودفاعاً عنك.
هذه هي قصّة الشراكة مع الله تعالى.. ولقد عبّر عنها السيِّد المسيح (ع) بقوله: "لا يستطيع أحد أن يخدم سيِّدين معاً".
إنّ التجاذب الحاصل بين (عبادة الله) و(عبادة الشّيطان) يجعل أحدنا غير
ثابت ولا مستقرّ، بل متزلزل ومذبذب يميل إلى هذه الجهة مرّة ويميل إلى تلك
الجهة مرة، فهو قَلِق، مُمزّق، موزّع.. لا يعرف طعم الرّاحة، ذلك أنّنا غير
قابلين للتجزئة وليس لنا قلبان واحد للرّحمن وآخر للشّيطان، بل هو قلب
واحد.. إنّ (العُلماء المزدوجين) عادةً ما يسخِّرون أحد الأطراف التي
يوالونها أو كليهما.
- مدرسة الدِّين:
لكلِّ مدرسة، ولكلِّ نظام مدرسيّ: (مدير) و(معلِّمون) و(منهج دراسيّ) و(تلاميذ) و(صفوف أو فصول) و(امتحانات و(نتائج).
في مدرسة الدِّين: (المدير) هو الله تبارك وتعالى: الخالق، المالك، القادر، العالِم، الغنيّ، العادل والمربِّي.
ولابدّ من الإشارة هنا، إلى أنّ مدرسة الدِّين مختلفة بعض الشيء عن مدارسنا
الاعتياديّة.. فالمدير فيها هو الذي أنشأها على أفضل وأكمل الشروط
والمواصفات، وهو الذي اختار لها المعلِّمين والمدرِّسين ضمن أحسن الكفاءات
وأرقى المستويات، وهم (الأنبياء والرّسل (ع)). وهو الذي وضع لها المنهج
المقرّر المستوفي لكلِّ متطلّبات العمليّة التعليميّة والتربويّة سواء
بشموله بمعنى أنّه لم يترك شيئاً أو جانباً لم يغطِّيه) أو كماله (بمعنى
أنّه لم يترك شيئاً أو جانباً ناقصاً).. والمنهج في هذه المدرسة هو الكتب
والرسالات السماوية ومنها (القرآن الكريم).
وهو الذي صنع التلاميذ بيده.. أي يعرف كلّ صغيرة وكبيرة عنهم، وكلّ ما
يحقِّق لهم الرّفاه والطّمأنينة والسعادة، وكلّ ما يجلب لهم البؤس والشّقاء
والتعاسة.. وهم الناس.
- حفلة تعارف:
تعالَ معنا نصطحبك إلى حفلة التعارف مع كلّ الطّاقم الذي يُدير مدرسة
الدِّين لتتعرّف عليهم عن كثب، فبمقدار تعرّفنا عليهم أكثر تكتسب العلاقة
بيننا درجة من الحبّ والإحترام أكثر، ونقترب منهم أكثر.
المدير فريد في كلّ شيء.. كامل كلّ الكمال، بريء من كلّ عيب أو نقص، وحكيم
كلّ الحكمة، لا يفعل إلّا كلّ ما هو صائب وصحيح وعقلانيّ ونافع ومفيد، ولا
يقول إلّا كلّ ما هو صواب وحقّ وصدق. و(عادل) لا يظلم أو ينحاز أو يتقرّب
لأحد من التلاميذ، فلكلِّ تلميذ عنده مكانته التي يبنيها بجدِّه واجتهاده،
ولقد بنى المدرسة لسعادتهم وهو ليس بحاجة إليهم.
لقد خلقَ التلاميذَ على (الفطرة السليمة) أي البوصلة التي تُعرِّفهم الطريق
إليه حتى لا يضلّ أحد أو يتيه أو يضيع في زحام الدروب، وبإمكان كلّ تلميذ
أن يتعرّف عليه بسهولة؛ لأنّه قرّر أن لا يغلق بابه بوجه أحد، ولم يضع
حرّاساً ولا حواجز تمنع الدخول إليه، وليس لديه ساعات دوام، فبإمكانك
الدخول إليه واللِّقاء به في أيِّ وقت، وأن تتحدّث معه في أيِّ موضوع.
وهو – بعد هذا وذاك – لطيف رحيم تمام اللّطف وكمال الرّحمة، لم يترك
التلاميذ يتخبّطون كالعميان، بل اختار لهم أفضل المعلِّمين الّذينَ
يعلِّمونهم طريق الحياة الصحيح، وقد خصّص جوائز قيِّمة للّذين يتفوّقون في
تحصيلهم الدراسيّ، وشدّد العقوبة على المخالفين والمشاغبين والمسيئين
الّذينَ يُسيئون التصرّف والأدب، حتى لا يتعكّر الصّفاء الذي يُريده
للمدرسة.
ومن حكمته وعدله ولطفه، فإنّ الفروض والتكاليف التي وضعها على التلاميذ
تتناسب وحجم قدراتهم العقليّة والنفسيّة والبدنيّة، حيث طلب من كلِّ تلميذ
أن يعمل بحسب قدرته واستطاعته، ولم يكلِّفه شيئاً يُرهق كاهله ولا يستطيع
حمله، وأعطاه الحرِّية والإختبار لأحد طريقين: طريق النّجاح والسعادة
والبناء والإبداع، وطريق الفشل والشّقاء والخراب والفساد.
وكما أنّ في كلِّ مدرسة، هناك طلبة مجدّون ومتفوِّقون مؤدّبون، وهناك طلبة كُسالى ومشاغبون ومُسيئون، فكذلك في مدرسة الدِّين.
(المعلِّمون).. أناس صالحون.. أخذوا تعاليمهم بشكل واضح ودقيق من المدير
الذي عيّنهم للعمل في المدرسة بشروط شديدة وصعبة ومن بينها أن يكونوا
(صادقين) و(أمناء) مع تلاميذهم، لا يقولون إلّا ما قاله المدير، ولا يفعلون
شيئاً ينافي أو يعاكس ما يقولون، وأن يكونوا المثل الأعلى لكلِّ تلميذ
بارَ وجادّ ومجتهد وباحث عن السعادة والنجاح.
الشيء المختلف في مدرسة الدِّين، أنّ المعلِّمين هم تلاميذ عند المدير
أيضاً، فهو معلَّمهم ومربِّيهم، وعليهم واجبات التلاميذ وأكثر منها، وهم
يُطيعون تعليمات الإدارة إطاعة تامّة فلا يعصون للمدير أمراً ولا يخالفون
له قراراً.
أمّا (المنهج المقرّر) فهو ليس كتاباً يصلح لهذا العام، أو لعدّة أعوام،
ثمّ يسقط من التداول، أو لا يعود صالحاً للتعليم بحيث يجب استبداله، أو
إصدار طبعات جديدة ومزيدة عليه، إنّه كتاب مُحكم وكامل وصالح لكلِّ
الأوقات، والمهم فيه أنّ الذي خلق التلميذ وصنعه بيديه، هو الذي وضع الكتاب
أو المنهج المقرّر الذي يتناسب مع احتياجات هذا التلميذ، فما من شيء
يحقِّق له الصلاح والسعادة ويُبعده عن التعاسة والفساد إلّا وقد ذكره له
حتى لا يقول تلميذ في يوم من الأيام: لماذا لم يذكر في كتابه هذا الأمر
المهم أو ذاك، لكنّه إلى جانب ذلك أعطى الصلاحية للمعلِّمين في تفسير
المنهج وتوضحيه، وأن يطبِّقونه أمام التلاميذ ليأخذوا بذلك دروساً عملية في
(العمل) بالإيجابيات و(الإمتناع) عن السلبيات، وكيف يحقِّقوا العلامات
والدرجات العالية من خلال المثابرة وتحصيلهم العلميّ والعمليّ.
والتلميذ في مدرسة الدِّين مزوّد بإمكانك كبيرة: (عقل مدبِّر) و(إرادة
قويّة) و(حريّة واسعة) و(حواس قابلة لتلقِّي العلوم والمعلومات)، و(نفس
متفاعلة مع الإيجابيات والسلبيات)، و(غرائز تُعينه على تلبية احتياجاته)..
وهو في مقابل حرِّيته وإرادته مسؤول عن المساهمة في بناء الحياة الصالحة.
مدرسة الدِّين، هي مدرسة الحياة، وليست مسجداً أو معبداً فقط، والطلبة فيها
يتعرّضون لنوعين من الامتحان: امتحانات يوميّة وفصليّة ودوريّة
واستثنائيّة، وامتحانات نهائيّة.
الامتحانات اليوميّة، هي مواجهة المشاكل والعقبات والصعوبات والإغراءات،
وفصليّة في المنعطفات الحياتيّة لا سيّما التي تتطلّب جرأة وشجاعة وحسماً
بما يُحدِّد موقع المُمتحَن من قُربه من المدرسة أو بُعده عنها،
والاستثنائية هي الكوارث والنكبات الكُبرى.
وأمّا الامتحانات النهائيّة، فهي التي يقف فيها جميع تلامذة المدرسة
ومعلِّموها بين يَدَي (المدير) ليحاسبهم على ما عملوه خلال فترة دراستهم
ليفرز الناجحين من الساقطين، والمتفوِّقين من بين الناجحين نجاحاً عاديّاً،
وبين الساقط سقوطاً عاديّاً، وبين الساقط سقوطاً مُريعاً.
تلك هي – باختصار شديد – قصّة الإنسان المتديِّن مع الدِّين، تلميذٌ في
(مدرسة صالحة) تهدف إلى تخريج الصّالحين، وتزيد في عددهم، وتحسِّن من
نوعيّاتهم، حتى يزداد الصّلاح وينتشر في المجتمع ليكون بذلك ناعماً سعيداً،
أي أنّها تعلِّم التلميذ الصّلاح، وتطالبه أن يُصلح ما حوله، ليعمّ
الصّلاح ويسود.
- شتّان بين تلميذ وتلميذ:
تأمّل في تلميذين يسيران في طريق: أحدهما يمشي ووجهه إلى الأرض لا يرى ما
حوله وما أمامه، وآخر يمشي مشياً طبيعياً، يرمي ببصره إلى الأمام، وينظر في
كلِّ شيء، فهو يعرف أوّل الطّريق، وخطّ السّير، ونهاية الطريق، فماذا
تتوقّع من حركة كلّ منهما؟
تعال نعيش الإثنين معاً، ونلتقط لهما صوراً على الطبيعة:
الذي ينكِّس رأسه ووجه منكبّ إلى الأرض ربّما يعرف موضع قدمه أثناء الخطوة،
لكنّه لا يعرف إلى أين ستقوده الخطوة التالية، فقد يكون هناك (مطب) أو
(حجر عثرة) أو (حفرة) أو (فخّ) أو (شَرَك) أو (لغم) أو (أرض زلقة).. هو
يمتلك عينين سليمتين يمكنهما أن تريا بشكل جيِّد، لكنّه عطّل وظيفتهما فبدا
كالأعمى المتخبِّط الذي يرتطم بكلِّ شيء يُصادفه.
وللحقِّ، فإنّ الأعمى أعقل من هذا، لأنّه بعد أن رأى أنّ عماهُ يسبِّب له
مشاكل عويصة في طريق السّير، تفتّق ذهنه عن ابتكار وسائل تقيهِ شرّ العثرات
والمخاطر والمنزلقات، فاتّخذ – مثلاً – عصاً يتوكّأ عليها ويتحسّس بها
طريقه، فيغيِّر اتجاهه في السّير بحسب ما تؤشِّر له العصا من العقبات، وقد
يستعين بدليل يرافقه ليأخذ بيده إلى مقصده، وربّما استعان بكلبٍ يمشي أمامه
ويُمسِك بزمامه وهو يفسح له الطريق إلى مُبتغاه، ولذلك فالأعمى الفاقد
للنظر، يتّخذ عيوناً بديلة تُعوِّضه عن بصره الحقيقي، فلا يضيع ولا يتأذّى
من مشاكل ومتاعب ومعوّقات الطريق.
أو هو السائق الذي يغلبه النّعاس فيختلّ توازن المقوَد بين يديه، فينحرف عن
طريق من غير شعور منه، ممّا قد يسبِّب له حادثاً مؤسفاً قد تنتهي به حياته
في ثوانٍ معدودات.. فالسائق هنا عطّل عينيه عن رؤية الطريق، ولأنّه لم
يُسارع إلى فتحهما، كان الموت أسرع في خطفه، والسؤال دائماً: ما فائدة
عينيّ إذا لم أرَ بعيني طريقي، أليسَ هما (نوري) الذي أراد لي صانعهما أن
أبصر فيه طريقي؟! يقول المتنبِّي:
وما انتفاعُ أخِ الدّنيا بناظرهِ **** إذا استوت بعينيه النورُ والظُّلَمُ؟!
وأمّا الآخر الذي يمشي وهو يعرف جيِّداً من أين يبدأ؟ وأين يسير؟ وإلى أين
ينتهي؟ فقد تصادفه في طريقه ما يصادف صاحبه، لكنّه أقدَر على معالجتها
والتعاطي معها وتذليلها أوّلاً بأوّل؛ لأنّه عرفَ الطريق فراح يلقطه لقطاً،
وهو سائق يقظ لا يشطُّ به الطريق، ولا تزلّ به قدم، ولا ينحرف به المسار،
فإذا كان طريقاً سلكه لأوّل مرّة، اصطحب (خارطة)، وربّما استعان بـ
(السؤال) وتتبّع (إرشادات وعلامات المرور) وإرشاداته، وبالتالي فمعالم
الطريق إمّا واضحة لديه لكثرة سلوكه، وإمّا إنّها تتّضح بالعوامل المنجدة
والمساعدة.
وبالمقارنة تتّضح الصورة وتتجلّى أكثر:
* المنكِّس الرأس الذي لا يُبصر طريقه جيِّداً، تائهٌ، حائر، قلِق، مضطرب،
متعثِّر الخطى، متخبِّط، لا بوصلة لديه يهتدي بها، ولا نور عنده يمشي على
ضوئه، ولا هو مستفيد من ضياء عينيه، فكأنة يمشي في ظلام دامس لا يستطيع أن
يتلمّس خطاه فيه فضلاً عن طريقه، ولهذا فهو لن يصل إلى برِّ الأمان مهما
طال سيره، وقد يأتيه الموت وهو متخبِّط ضائع كريشة في مهبِّ الرِّيح أو
قشّة على متن الموج.
الإنسان السويّ الذي يُبصر خطاه وحركته على طريق بوضوح: قرير العين، مطمئن
البال، يحسب لكلِّ شيء حسابه، يعالج ما يعترضه بعقله وتجربته، يستعين
بالمنار والفنار والبرج والبوصلة وبعلامات المرور: (وعلامات وبالنّجم هم
يهتدون) (النّحل/ 16). فحتى لو سار في اللّيل لما سار أعمى مغمض العينين،
ولما اكتفى بعينيه، بل يضيف لهما أعيناً أخرى، فقد يستعين بنور القمر
والنجوم وبالمصباح وبالسؤال وبالرفيق العارف بالدرب أيضاً.
هذا هو الفرق بين إنسان له دين (عنده عيون يبصر بها وبوصلة تهديه)، وبين
إنسان لا دين له (أعمى ولا يستعين على عماه بما يخفِّف وطأته وينجِّيه من
عثار الطريق).
- مشهد واقعيّ:
تنهمرُ السماء بماء غزير غاية في الغزارة.. وتهطل السّحب بنحوٍ غير مسبوق،
تغرق الأرض بكلِّ ما فيها، ولا يدع الماء المنهمر مكاناً لليابسة تهربُ
إليه.. أي ملجأ ومأوى في هذا الطوفان العارم!
ليس هناك سوى سفينة واحدة تقلّ الراغبين بالنّجاة المتعلِّقين بحبال الآمال.. إحجز مكانك وإلّا فاتتك السفينةُ وفاتتك النجاة أيضاً.
إبنُ قائد السفينة شابّ مغرور بنفسه، دعاهُ أبوهُ أن يعجل بالركوب في
السفينة وإلّا فات الأوان.. سخرَ الشابّ من دعوة أبيه وهو يشير إلى الجبل
الذي سيكتسحه الطوفان عمّا قريب: سآوي إلى ذلك الجبل العالي فإنّه سينقذني
من الهلاك والغرق.. إنّه أضمَن لي من سفينتك.. إنّه أعلى وأقدر على
الحماية!
معلومات الأب مأخوذة عن خالق (الماء) و(السفينة) و(الجبل) و(البشر)، فهو
يرى ما وراء الماء المتلاطم وما وراء الحدود، ويفكِّر بـ (الاهتداء)..
ومعلومات الإبن مستوحاة من مشاهداته الحسِّية العينيّة، فهو لا يرى إلّا ما
يقع تحت عينيه، ويفكِّر بـ (الاعتلاء).. فماذا كانت النتيجة؟!
نجا الأب وركّاب السفينة، وغرق الإبن ولم يُسعفهُ الجبل الذي لم يُنجد نفسه ناهيك عن نجدة مَنْ يلوذُ به!
- الدين على مقاس الفِطرة:
هل يمكن للسيارة أن تكون طائرة؟!
في الخيال العلميّ – الذي يمكن أن يتحقّق – هذا شيء ممكن، فكما أنّ هناك
(برّمائيّات) تصلح للسّير في البرِّ وفي البحر.. يمكن أن تكون هناك وسائط
نقل (برّهوائيات)، ولكنّ السيارة بتصميمها الحالي لا تصلح لأن تطير إلّا
إذا أُدخلت عليها تعديلات جوهريّة تمكِّنها من الطيران.
هذا المثال، وهو من أمثلة كثيرة جدّاً، ينطبق على كلِّ كائن أو موجود حيّ
أو غير حيّ، فكلّ شيء مُعدّ سلفاً لأن يكون عاملاً ضمن الوظيفة التي أُعِدّ
خصِّيصاً لها. فالحصان له وظيفة غير وظيفة البقرة، والبقرة لها وظيفة غير
وظيفة الدجاجة، ولا يمكن إجراء عمليات جراحية لاستبدال هذا بذاك، أو هذه
بتلك.
نعم، التطعيم والتهجين ممكن، فالبغل حيوان هو بين الحصان وبين الحمار، وله
خصائصه أيضاً، كما أنّ للحديد والذهب والبلاتين خصائصها الخاصّة بكلّ واحدة
منهما، وإن كانت كلّها تندرج تحت إسم "معادن".
الإنسان له طبيعة خاصّة متميِّزة تختلف عن الحيوان والنّبات وباقي
الكائنات، وكلّ مخلوق أو كائن حيّ أو غير حيّ مُيسّر لما خُلِقَ له، أي أنّ
له طبيعة ووظيفة معيّنّة لا يستطيع أن يخرج منها. نعم، يمكنه أن يطوِّرها
وينمِّيها في حدود ما تسمح به طبيعته وخصائصه.
طبيعتك كإنسان، أساس خلقتك، تتناسب تماماً مع كونك كائناً دينيّاً، كيف؟
فما دامَ لك (عقل) تفكِّر به، وإذا عُرضت عليه عدّة خيارات فاضَلَ بينها
ليختار الأصلح، وما دامت لك (إرادة) تمكِّنك من أن تستجيب وتمتثل، كما
تمكِّنك أن ترفض وتمتنع، وما دامت لك (عين) ترى بها، و(إذن) تسمع بها، فإنّ
لك قابليّة على التعلّم والاستزادة بتطوير وإنماء ما تتعلّمه، وما دامت
عندك (أدوات) تنفيذيّة تستطيع أن تعمل بها، وتحقِّق آمالك وأحلامك
وطموحاتك، وأن تبني وتُعمِّر وتُبدع، فأنت (كائن دينيّ).
هل الكائن الدينيّ كائن غريب أو دخيل على الإنسان، بمعنى أنّه (طارئ) عليه وليس أصيلاً؟
خالِق الإنسان.. صانع الإنسان.. مكوِّن الإنسان، غرس فيه منذ البداية
(بوصلة) تؤشِّر باتِّجاه ربه وخالقه.. البعض يستخدمها والبعض يُعطِّلها..
فيصل الأوّل ويتيه الثاني.
وحينما أراد الصانع (الله) للمصنوع (الإنسان) أن يعيش سعيداً، وضع له
(شريعة) و(منهجاً) و(طريق حياة). فكانت خلاصة الدِّين أن يصنع الإنسان
الصالح الذي (تأمل) منه (الخير) و(تأمن) منه (الشرّ)، فأيّ عقل يرفض هذا؟
وأيّة إرادة تقف ضدّه؟ وأيّ متعلِّم لا يحبّ أن يتلقّى دروسه على يديه، وأي
أدوات لا تتجاوب مع ندائه في إنتاج الأصلح؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://thf-world.yoo7.com
 
رحلة كل شاب إلى التديّن الصحيح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشاب المعاصر الجديد :: المنتدى العام :: منتدى قضايا الشباب-
انتقل الى: