THF Admin
عدد الرسائل : 4613 تاريخ الميلاد : 11/10/1984 العمر : 39 البلد و المدينة : Algeria - Bouira - Palistro العمل/الترفيه : Maintenance system informatique - MSI المزاج : في قمة السعادة السٌّمعَة : 5 نقاط : 2147483647 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: جرعة دواء..قصة قصيرة الثلاثاء أكتوبر 13, 2009 6:45 pm | |
| جرعة دواء..قصة قصيرة * عزة هاشم أحمد جلستُ أرقب أمي التي أخذت تنشب يديها في العجين، وكأن اشتبكت معه في شجار عنيف لن تنتصر فيه إلا عندما تحوله إلى خبز وتُخرجه ناضجاً من فرنها. شعرت لحظتها، بأنها تنشب يديها في أحشائي سامحك الله يا أمي! أنت السبب في كل ما جرى لي. انتظري يا بلهاء، لا تعلقي خيبة أملك وفشلت على شماعة أمك، أنت التي ظلمت نفسك، لم يظلمك سواك. عمتي! أين أنت الآن؟ نصحتِني ولم أُنصت إليك، رحمها الله، لقد كنت أحبها كثيراً على الرغم من سلاطة لسانها وشجارها الدائم مع أمي وزوجات أعمامي، وهي أيضاً كانت تحبني. كنا نلتف حولها في ليالي الشتاء الباردة ملتمسين دفء حكاياتها والحطب الذي تشعله كل مساء. لا زلت أذكر جيداً تلك الليلة التي جمعتنا فيها، ونحن نهلل ونضحك، بينما جلست هي صامتة، واجمة على غير عادتها. بدت في ردائها الأسود وكأنها في حالة حداد. كنت أظن أنها سوف تطير بجناحين من فرط سعادتها في تلك الليلة بالذات، خاصة أنها علمت بالعريس الذي تقدم لخطبتي، بعد أن تضاءل أملي في الزواج، وتقدمت بي السن لأتجاوز الثلاثين، وألقّب عن جدارة بلقب عانس، العانس الوحيدة في القرية. انتزعتني أمي من خضم خواطري، وهي تطلب منى أن أناولها "المقارص" التي توزع عليها العجين بعد أن تقطعه قطعاً متساوية. أخذت أغطي "المقرصة" بالنخالة بيد، وأناولها لأمي باليد الأخرى، بينما يصل إلى أذني صوت عمتي وهي تردد: "قعدة الخزانة ولا جوازة الندامة". تلك هي عادة عمتي، لا تتحدث إلا ويعقب حديثها أو يتخلله أحد الأمثال الشعبية التي تحفظها عن ظهر قلب. نظرت إليها باستنكار وقتها، وأنا أعلق على كلامها قائلة: ولكن تلك ليست زيجة ندامة يا عمتي، فالعريس رجل ثري وطيب القلب، ليس فيه ما يعيبه. سألتني بإصرار: هل تطيقينه؟ لم أفهم ماذا تقصد، فما كان مني إلا أن حاولت إقناعها قائلة: لقد تقدم بي العمر، وكل من في عمري تزوجن وأصبح لديهن أبناء في المدارس، بينما لا أزال أنا جالسة في بيت أبي، أود أن أتنسَّم عبير الحياة، أن ألحق ولو بآخر عربة في القطار. ولكنها صاحت في وجهي قائلة: إن القطار الذي تودين اللحاق به سوف يدهسك. كيف تتزوجين رجلاً كنت حتى وقت قريب تتأفقين منه وتتقززين من كل شيء فيه؟ كيف ستحتملين معاشرته؟ - العشرة كفيلة بخلق الألفة بيننا. صاحت: كذب، الألفة كالشجرة، لن تنمو إلا في بيئة خصبة. أدرت لكلامها ظهري وأنا أعلل رفضها، لعُقدتها من زوجها الذي تزوجته رغماً عنها، وعاشت معه في جحيم حتى توفي. عدت إلى أمي، التي كانت قد فرغت من تقطيع العجين، وأخذت تحمل مقارصها لتضعها في الأماكن التي وصلت إليها الشمس حتى تختمر. كانت تسرع وكأنها في سباق، إنه بالفعل سباق، فنساء القرية يباهي بعضهن بعضاً، ومن تحمّي فرنها قبل الأخرى، تكون هي الأشطر والأمهر. ليتك وفرت شطارتك تلك لابنتك يا أمي، هل تذكرين حديثك لي وقتها؟ أنا أذكره جيداً، قلت لي يومها: "وماذا يضيرك يا بلهاء في شكله؟ قبول ماذا الذي تتحدثين عنه؟ خففي من جلساتك مع عمتك. إن ما يدور في تفكيرك لا يعدو أن يكون جرعة هواء تتجرعينها مساء، ثم تستيقظين وكأن شيئاً لم يكن. وبعد أن يأتي الأطفال سوف تنسين وسط ضجيج صياحهم كل شيء. الزواج يا بنيتي ليس فراشاً، الزواج مسؤولية وحياة". عدت إلى أمي، التي نظرت إليَّ وهي تسألني عن سبب تلك الابتسامة الساخرة البادية على وجهي. فلما أجبتها بأن لا شيء هنالك، قالت: "انهضي إذن لتحمي الفرن فقد اختمر الخبز". أخذت أقبض ملء يدي من الروث الجاف وألقي به أسفل الفرن المصنوع من الطمي فتتصاعد ألسنة اللهب، بينما تشتعل في داخلي نار أخرى لهيبها لا يهدأ. "لقد تزوجت بوسادة لا امرأة، لماذا كلما حاولت الاقتراب منك تتشنجين وكأنك مقبلة على الجحيم؟ ما ذنبي أنا أن أحيا مع امرأة باردة"؟. لم ولن أطيقه، حاولت كثيراً ولم أستطع. إن تمكنت من التمثيل وأجدته مرة فلا أتمالك نفسي في المرة الثانية، كل ما فيه يقززني ويُشعرني بالغثيان، أشياء صغيرة توهمت أنها تافهة، فاكتشفت أنني أنا التافهة، لم تكن جرعة دواء، سُم تقتلني كل مساء ألف مرة، وحولتني إلى جثة ليست هامدة، بل تتحرك هنا وهناك، باحثةً عن ملاذ أصبح يختلق المعارك اختلاقاً، نتعارك لأي سبب ومن دون سبب، ولا يجرؤ أي منا على أن يصرح بالسبب الحقيقي، والوحيد لخلافنا الدائم، لقد أضحت حياتي معه جحيماً لا يطاق. الآن أجلس واضعة يدي على خدي في بيت أبي، أنا وطفلتي الرضيعة، في انتظار نتيجة المفاوضات القائمة بين العائلتين، من أجل عودتي التي لا أرجوها أبداً. | |
|